بعد أكثر من سنتين من التحضير لإطلاقها، لم تبصر صحيفة «الدولية» السعودية النور. وها هم صحافيّوها يرفعون دعاوى أمام القضاء بعدما صاروا في مهبّ المجهول، لكن... من دون جدوى!
علاء اليوسفي
لا القوانين ولا المحاكم تحمي الصحافيين السعوديين أو تكفل حقوقهم. بل إن «هيئة الصحافيين السعوديين» التي أنشئت قبل سنوات قليلة تقف متفرجة على مشاكل الإعلاميين من دون أي تفي بالتزاماتها تجاههم عند وقوع نزاع بينهم وبين أصحاب المؤسسات الإعلامية... فكيف إذا كان صاحب الاستثمار مدعوماً أو فوق القانون؟ أما الحقوق التي يكفلها القانون، فتبقى حبراً على ورق.
هكذا لم يجد عدد من الصحافيين السعوديين أمامهم سوى القضاء لنيل حقوقهم التي يكفلها القانون، وذلك بعد وصول مفاوضاتهم مع إدارة صحيفة «الدولية» إلى حائط مسدود. بعد رفع الصوت عالياً أمام القائمين على قطاع الإعلام في المملكة للتدخّل، بقي التجاهل سيّد الموقف. ثمّ صدر حكم مكتب العمل والعمال، وهي الهيئة المولجة بالنظر في قضايا العمالة، فجاء مغلّفاً بالطرافة والغرابة في قضية لا تحتمل الاجتهاد ضد جريدة «الدولية». وكانت هذه الأخيرة قد أقفلت أبوابها قبل أن ترى النور رغم أنها كانت تتهيأ لمنافسة الصحف السعودية بعد نيلها ترخيصاً خارجياً من لندن وإذناً بالتوزيع والطباعة داخل السعودية من خلال إحدى المؤسسات الإعلامية التي يملكها صاحب المشروع.
هذه المشكلة ليست الأولى من نوعها التي يواجهها الصحافيون السعوديون، إذ سبق لزملائهم في قناة «الغالية» التلفزيونية في جدة أن مروا بأزمة مشابهة لا تزال معلّقة. أما اللجوء إلى «هيئة الصحافيين السعوديين» للحماية والدعم، فحدّث ولا حرج، إذ تكفي الإشارة إلى عدم تمكّن أصحاب قضية «الدولية» من نشر قضيتهم في الصحف المحلية التي يديرها من ينتسبون إلى «الهيئة» ومجلس إدارتها.
وبالعودة إلى قضية صحيفة «الدولية»، يؤكّد العاملون فيها أنّه لم يكن يخطر في بالهم أن تجربتهم ستنتهي بالخيبة. هؤلاء تركوا وظائفهم القديمة التي عمل بعضهم فيها لما يزيد عن عشر سنوات من أجل تحقيق «المشروع الحلم». ولم يكتفوا بالتوقيع فقط على عقود العمل رغم وعود رئيس التحرير عبد الله القنيعير الوردية والعروض المميزة التي قدمت لهم، بل طالبوا أيضاً بأن تكون مدة العقد خمس سنوات كضمانة لهم، وهو ما حصل بالفعل. لكن تبيّن لاحقاً في مرحلة متأخرة أنّ لا قيمة لهذه العقود أمام المحاكم. ويفيد أحد الصحافيين بأنّ العاملين ظلوا يستلمون رواتبهم طبيعياً في الشهور التسعة الأولى قبل أن تلوح الأزمة، وقبل أن يبَلّغوا عبر الهاتف، خلافاً للقانون، أن المشروع انتهى والجريدة لن تصدر. والأهم أنهم لن ينالوا مستحقاتهم وحقوقهم المادية عكس ما تنص عليه العقود ويكفله القانون.
وقد علمت «الأخبار» من مصادر مطلعة أنّ مالك الجريدة هو فهد عبد العزيز العبد الواحد، وهو لاعب كرة قدم سابق ويعمل مع ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز. وقد عيّن عبد الله القنيعير رئيساً للتحرير. أما رئيس مجلس الإدارة فهو الأمير سعد بن فهد بن سعد بن عبد العزيز آل سعود حسبما جاء في الأعداد التجريبية من الجريدة.
وخلال فترة العمل التي امتدت من بداية 2007 إلى آذار (مارس) 2008، أصدر الكادر الفني والتحريري 15 عدداً تجريبياً (امتنع رئيس التحرير لاحقاً عن دفع ثمنها لمطابع جريدة «الوسط» في البحرين بحسب بعض المطّلعين على الملف) وأُبلغ الصحافيون بانتهاء عملهم، وإقفال المشروع بحجّة أنّ صاحب الاستثمار يمر في أزمة مالية، وذلك رغم أن «مجموعة العلاقة للاستثمار» التي يملكها بقيت تعمل، وكذلك المشاريع الاستثمارية الخاصة التي تعود إليه.
ثم جاء دور القضاء ليقول كلمته. لكن المفاجأة كانت أنّ محكمة مكتب العمل والعمال أصدرت قرارها القاضي بعدم التعويض على

«هيئة الصحافيين السعوديين» تقف متفرجةً على انتهاك حقوق الإعلاميّين
الصحافيين المتضررين، مخالفةً بذلك ما ينص عليه قانون العمل صراحة، واكتفت بتعويض مادي لا يُسمِن من جوع. واللافت أن المبلغ الذي حدّدته المحكمة هو أقل من المبلغ الذي عُرض كتسوية على المتضررين من إدارة الجريدة قبل الاحتكام إلى القضاء. لكن المسألة لم تقف عند هذا الحد. إذ اكتشف المتضررون أن القائمين على الجريدة لم يؤمّنوا عليهم خلال السنتين الماضيتين. وعندما رفعوا شكوى لدى التأمينات الاجتماعية، علموا بوجود شكاوى عدة سابقة على «مجموعة العبد الواحد للاستثمار»، التي تملك «الدولية»، لم يُبتّ فيها حتى الآن. ولا يزال الصحافيون أصحاب القضية ينتظرون إنصافهم، بعد استئنافهم الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية، ومنهم الشاعران عبد الوهاب العريض الذي شغل منصب مدير تحرير، وأحمد الملا الذي عمل مستشاراً للتحرير ومسؤول صفحة الرأي، والصحافيون علي المدلوح، وجعفر الجشي، وفؤاد المشيخص.


«عربية» أم «دولية»؟

عندما بدأ الحديث عن إطلاق صحيفة «الدولية» قبل أكثر من عامين، كان مقرراً أن يكون اسمها «العربية»، لكن سرعان ما غيّر المشرفون على الجريدة اسمها خوفاً من ربطها بقناة «العربية» الفضائية. أما رئيس تحرير الصحيفة عبد الله القنيعير، فقال وقتها إن تغيير الاسم جاء «حرصاً على الاستقلالية التامة، لأننا في بدايات مرحلة التأسيس، لمسنا أن اسم «العربية» يمكن أن يحصرنا داخل إطار ضيّق لا يتسع لشمولية توجه المشروع». أما عن هوية الصحيفة، فقال «الصحيفة عربية إسلامية الهوية، عالمية التوجه... وهي مشروع يتواءم مع العصر وحقائقه ومستجداته».