خطاب وطني جديد في أرض المواجهة
ليال حداد
«سيّد عليما هل يمكن أن تتحوّل هذه الاشتباكات إلى حرب أوسع؟». السؤال يطرحه الحبيب الغريبي، الإعلامي في قناة «الجزيرة» على المراسل العسكري في الإذاعة الإسرائيلية إيال عليما. ينفي الأخير ذلك، مؤكداً أنّ المواجهات انتهت بين الجيش اللبناني وقوات الاحتلال الإسرائيلي. بمعزل عن إشكالية فتح الهواء العربي أمام مسؤولين إسرائيليين، مثّل سؤال الغريبي نقطة محورية في تغطية وسائل الإعلام اللبنانية والعربية للاختراق الإسرائيلي أمس.
شبح الحرب (المرتقبة) خيّم فجأة على الأذهان والشاشات، وعادت التعابير التي انتشرت خلال عدوان تموز 2006: «هدوء حذر يسود بلدة العديسة»، «إسرائيل تطالب بوقف لإطلاق النار»... الجيش اللبناني في مواجهة العدوّ، وخلفه خطاب وطني واضح: كان بوسع المشاهد أن يلمس نوعاً من الوحدة الوطنيّة في الإعلام اللبناني. الصحافة أيضاً كانت في قلب المعمعة، مع سقوط زميلنا عساف أبورحال الذي كان سبّاقاً إلى مسرح المواجهة، وإصابة مراسل «المنار» علي شعيب.
أمس، لم يحتلّ «السياديون» الشاشات مطالبين بنزع سلاح «حزب الله»، ولم نشاهد الزعماء العرب ينتقدون «مغامرات» المقاومة. بل خرج النائب سامي الجميّل على الإعلام مؤكداً «وقوف جميع اللبنانيين خلف الجيش». أما النظام المصري فعمّم بياناً «استنكر» فيه الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان. وزير الأشغال غازي العريضي كان أكثر «راديكاليّة» في تصريحه الذي يذكّر بأدبيات ما قبل 2005، ذاهباً إلى إطلاق صفة الإرهابي على وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان.
الخطاب السياسي الجديد أخذ الإعلام المحلي بعيداً عن صورته في عام 2006. سمعنا مراسلي «أخبار المستقبل» يصفون الخروق الإسرائيلية بـ«الاعتداءات»، والضحايا بـ«الشهداء» رغم الإصرار اليتيم لبسّام براك على وصفهم بالقتلى. تغيير خطاب «أخبار المستقبل» ترافق مع تطوّر مشابه لـ«المؤسسة اللبنانية للإرسال»، وإن بجرعة أخفّ. إذ نقلت المحطة التطورات على الجبهة الجنوبية، لكن تركيزها كان على الأوضاع في الأراضي المحتلة مع مراسلتها آمال شحادة! أما في شريطها الإخباري، فكان بارزاً ورود خبر مقتل ضابط في الجيش الإسرائيلي قبل «استشهاد جنود في الجيش اللبناني ومراسل صحيفة «الأخبار» اللبنانية عساف أبورحال». لكن كل الانزلاقات بدت مقبولة أمام تغطية OTV وmtv. الشاشة البرتقالية نقلت أبرز التطورات في العديسة، إلا أنها لم تجد في حجم المأساة ما يمنعها من إعادة إحدى حلقات برنامج ... الزجل. فيما أصرّت mtv على نقل إحدى بطولات كرة المضرب... كأن شيئاً لم يكن.
وكالعادت بدت «الجديد» و«المنار» في قلب المعركة. الأولى بدأت تغطيتها المتواصلة مع اندلاع الاشتباكات، فأطلّ مراسلها حسين خريس من العديسة مباشرة على الهواء، وكان أول من أعلن خبر إصابة جنديَّين إسرائيليَّين. كما عرضت المحطة صوراً خاصة في وقت كانت فيه القنوات تنقل صوراً عن... التلفزيون الإسرائيلي. أما «المنار»، فتأخّرت في البثّ المباشر، رغم أنها أوردت خبر جرح لبنانيَّين بعد أقل من نصف ساعة على المواجهات. ثم دخلت المعترك، فكانت المشاهد التي بثّتها هي الأقوى. هكذا رأينا مراسل القناة على الشريط الحدودي علي شعيب وهو يصاب برجله مباشرةً على الهواء. ولعل المشاهد التي بثّتها nbn ونقلتها قنوات أخرى للاشتباكات عوّضت عن تغطية المحطة المتقطّعة.
وإن تفاوتت التغطية المحلية للانتهاك الإسرائيلي، فإن «الجزيرة» و«العربية» بدتَا على طرفي نقيض. الفضائية القطرية خصّصت تغطية للاعتداء على الجنوب اللبناني. كما أن مراسلتها سلام خضر بدت الأكثر نشاطاً، فتابعنا مباشرة وصولها إلى بلدة كفركلا ثمّ العديسة، في وقت كان فيه مديرَا مكتبَي بيروت والقدس المحتلة غسان بن جدو، ووليد العمري يقدّمان قراءة سياسية للمواجهات. نقطة سوداء واحدة هي إصرار مذيعي «الجزيرة» في الدوحة على اعتبار الشهداء مجرّد قتلى، فيما كرّر مراسلو بيروت مراراً «سقوط عدد من الشهداء».
لكن خطورة الاعتداءات الإسرائيلية لم تمنع «العربية» من الدفاع عن وجهة النظر الإسرائيلية من دون حرج. هكذا كانت أخبارها العاجلة ترتبط بالتطورات على الجبهة الإسرائيلية، لنكتشف أن الضابط الإسرائيلي قتل (بحسب «العربية») «بعملية قنص»، لا في المعركة! أما في تقريرها عن أسباب اندلاع الاشتباكات جنوباً، فأوردت المحطة: «قيل إنّ الجيش الإسرائيلي اخترق الحدود اللبنانية، لكنّ الرواية الإسرائيلية نفت ذلك...». لم يقف الأمر هنا: في وقت كانت فيه طائرة الأباتشي تقصف إحدى تلال العديسة، ما أدّى الى سقوط عدد من الجرحى، كانت القناة تحكي عن «تحليق طائرة أباتشي فوق الأراضي اللبنانية»! أمس، وحدها «العربية» بدت كأنها تراوح في المكان الذي حشرت نفسها فيه عام 2006.


ZOOM

وكالات أجنبيّة فشلت في امتحان الأخلاق!



صباح أيوبغياب القانون اللبناني الذي يمنع نشر صور الجثث المشوّهة، وعدم صدور أي تعليمات صارمة بهذا الشأن، سمح للوكالات الأجنبية باستباحة الحرمات وبتوزيع عدد كبير من الصور التي يمنع نشرها عادة في البلدان الأجنبية. إضافة إلى الجانب الأخلاقي، لا بدّ للمصورين اللبنانيين من أن يدركوا أهمية «حرب الصور»، وكيفية استخدامها للتأثير النفسي في المقاتلين، وهذا ما يفسّر دوماً غياب صور «مؤذية» لجثث الجنود الإسرائيليين في أرض المعارك، فقيادة الجيش الإسرائيلي هي التي تتحكم بما يصدر من صور عن الجنود، وخصوصاً أثناء الحروب.