ما حدث مع الفنانة التي أنجبت أخيراً طفلها الأول، يؤكّد أنّ الاحتقان في مصر لم يعد ممكناً إخفاؤه. ما إن اكتشف القراء ديانة الممثلة اللبنانية، حتى اندلعت الحروب القطرية والطائفية على مواقع الإنترنت!
محمد عبد الرحمن
هل يمكن أن تتطابق التعليقات التي يكتبها القراء على أخبار حوادث الفتنة الطائفية في مصر، مع تعليقات على خبر إنجاب ممثّلة شهيرة مولودها الأول؟ نعم، هذا ما حدث أخيراً حين أنجبت نور اللبنانية طفلها الأول ليوناردو! قبل سنوات قليلة، كانت هذه النوعية من الأخبار تذهب سريعاً إلى منتدى الفنانة المحبوبة لتنهال عليها التبريكات من جمهورها العربي في كل مكان. لكن الآية اختلفت تماماً مع الممثلة اللبنانية التي أنجبت قبل أيام طفلها ليوناردو. بعد غياب عامين تزامن مع إعلان زواجها من رجل أعمال سوري، ثم وصول المولود الأول لهذه الفنانة التي تتمتع بشعبية كبيرة في مصر، كان لقراء مواقع الإنترنت وفي مقدمتها «اليوم السابع» رأي آخر. إذ تعامل بعضهم مع الخبر من الناحية الدينية لا الاجتماعية. تعاملٌ يؤكد أنّ الاحتقان الديني لم يعد ممكناً إخفاؤه، وأن لا أحد من المسؤولين والمعنيين يبذل أي جهد لمعالجته.
صحيح أنّ مصر تشهد كل شهر تقريباً حادثاً طائفياً على مستويات عدة، إلا أنّ الطريقة التي يتعامل على أساسها بعض المسلمين والأقباط في مصر الآن، وخصوصاً البسطاء الذين يعانون غياب ثقافة تقبل الآخر، تُظهر أنّهم باتوا مستعدين لأي عراك ولو بسبب شائعة! هذه الأجواء انتقلت بشكل يدعو إلى الدهشة (والخوف)، لتطال خبر إنجاب الممثلة اللبنانية مولودها الأول. إذ انطلقت حرب التعليقات اليومية من جديد، لتكشف كيف يفكّر كثيرون في الوطن العربي اليوم والحال التي وصلنا إليها.
اسم المولود كشف ديانة الممثلة المحبوبة، فتوالت التعليقات التي تؤكد صدمة أصحابها من أنّ «نور طلعت مسيحية» على رغم أنها تمثّل في هوليوود الشرق منذ حوالى عشر سنوات. وبعيداً عن إمكاناتها كممثلة، نجحت هذه الفنانة في أن تشارك العديد من النجوم مجموعةً من أبرز الأفلام الجماهيرية التي يعاد عرضها مراراً وتكراراً على التلفزيون. ولم تنحصر المشكلة في الجمهور الذي يجهل ديانة الفنانة من البداية ثم أعلن صدمته حين عرف بالأمر، كأنّه لو لم تطلق اسماً مسيحياً على مولودها، لاستمر الحب بينهما من دون انقطاع. المشكلة أيضاً أنّ هؤلاء يتجاهلون أنّ مجموعة من أبرز نجوم الكوميديا في مصر الآن مثل هاني رمزي، وماجد الكدواني، ولطفي لبيب وإدوارد هم مسيحيون يتصدرون قائمة الفنانين الأكثر شعبية. وقد أُقحم هؤلاء في التعليقات التي طالت الفنانة نور. إذ بدأ بعضهم بالرد بعنف على الهجوم ضد نور، والتذكير بأسماء الفنانين المسيحيين المحبوبين، ليأتي الرد من أصحاب العقول المتخلّفة بأن وجهة نظرهم في هؤلاء الفنانين تغيّرت أيضاً بعدما عرفوا بديانتهم بالمصادفة!
ثم سارت التعليقات في مسارات أخرى: هناك من هاجم أصحاب التعليقات المتشددة، لكن على خلفية أنّهم لو كانوا يهتمون بالدين، فلماذا يشاهدون الأفلام من الأساس. وهناك من دعا نور إلى اعتناق الإسلام وإطلاق اسم محمد على نجلها، مع وعد بأنه سيؤسّس لها صفحةً محترمةً على «فايسبوك». ثم يدخل بعض القراء الخليجيين ليؤكدوا رفضهم من البداية للفنّ ولحوارات المصريين بين بعضهم بعضاً، فيرد المصريون بالهجوم على دول الخليج. وفي خطّ مواز، انطلقت تعليقات ساخنة بين بعض المسلمين والمسيحيين، فتدخل أحدهم للتهدئة، مؤكداً أن مصر لا تعرف الفرق بين مسلم ومسيحي، ليخرج آخر كي يعاتب المسلمين على أفكارهم المتشددة، ثم يرد عليه أحدهم بعنف متبادل... كل هذا والخبر نفسه لا يزيد عن 100 كلمة!

علّق قراء خليجيون على رفضهم للفنّ، فهاجم المصريّون دول الخليج

وسط كل هذه التعليقات المتطرفة، ضاعت التهاني القليلة التي وصلت إلى الممثلة اللبنانية التي لم يسأل أحد بالطبع عن شعورها إذا قرأت كل هذا اللغط حول خبر وضعها بسلام مولودها الأول. وفيما يبدي كثيرون دهشتهم واستنكارهم لهذه الحوارات، تغيب تماماً الأسئلة المهمة مثل الأسباب التي أدت إلى نسيان الناس همومهم ومشاكلهم السياسية والاقتصادية، وانشغالهم في حروبهم القطرية والطائفية والمذهبية. كل هذا وسط تقاعس الجهات المعنية وأصحاب الرأي في المجتمعات العربية، وخصوصاً رجال الدين الذين يدّعون الوسطية والإعلاميين والكتّاب، عن تذكير الناس بمشاكلهم الحقيقية، وبعدم التدخل في حرية الآخرين، والأهم احترام الآخر المختلف، فنور اللبنانية وأي فنان مواطن له حقوق وواجبات.
مع ذلك، لم تخلُ التعليقات الصادمة من بعض الطرافة المصرية، إذ طالب أحدهم نور بتغيير اسم الطفل من ليوناردو إلى لاعب الكرة الأرجنتيني ليونيل ميسي، كون الأخير يحظى بشعبية كبيرة في الوطن العربي... بالتالي، سينسى الغاضبون قضية الديانة برمّتها!


كوني جميلة...

فيما يعتبر معظم النقاد الممثلة اللبنانية نور وجهاً جميلاً يفتقد التمكن في الأداء التمثيلي، نجحت نور (الصورة) في الاستمرار وقدمت العديد من الأدوار البارزة في مشوارها السينمائي داخل مصر مثل أفلام «ملاكي اسكندرية»، و«الرهينة»، و«ميكانو»، و«نقطة رجوع». ومن خلال هذه الأفلام، نجحت في تقديم صورة مغايرة لشخصية الفتاة الجميلة فحسب التي قدمتها في أفلامها الأولى «فانلة وشورت وكاب» و»عوكل». وحتى الآن، قدّمت نور 13 فيلماً سينمائياً، ومسلسلين هما «العميل 1001» و«دموع القمر» ومسرحية وحيدة هي «تحب تشوف مأساة»... قبل أن تتوقف تماماً عن التمثيل منذ بداية العام الماضي للتفرغ لزوجها ومولودها الأول ليوناردو.