يشارك الفيلم اللبناني «ترويقة في بيروت» لفرح زين الهاشم في «مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط ــ 31» (راجع مقال الزميل محمد الأزن) الذي يستمر حتى الثامن من أيلول (سبتمبر) الحالي. وكان قد حاز فيلم المخرجة اللبنانية الكويتية الشابة القصير «سبع ساعات» (٢٠١٣) جوائز في مهرجانات عالمية في سانتا مونيكا وكاليفورنيا و«المهرجان الأوروبي المستقل في باريس».
في الشريط الذي يمزج بين الوثائقي والروائي، تقابل المخرجة شخصيات معظمها من الوسط السينمائي أو المسرحي اللبناني مثل الممثل عبد الرحيم العوجي، والمخرج محمود حجيج، والممثل بديع أبو شقرا، والممثلة ناتاشا شوفاني. كذلك، تقابل شخصيات أخرى تروي لنا كل منها علاقتها مع مدينة بيروت، وتسعى المخرجة إلى فهم علاقتها الخاصة مع هذه المدينة من خلال الشخصيات التي تحاورها. ترسم علاقة المخرجة مع صديقتها الممثلة ناتاشا شوفاني الخط السردي للشريط، بحميميتها والمواضيع اليومية العفوية التي تشغلهما فيما تجولان في بيروت وتبحثان عن باب يقودهما إلى فهم التركيبة العجيبة لهذه المدينة. تركيبة تتماثل مع التناقضات الداخلية التي تعيشها الاثنتان وتصورهما لحياتهما. يختلف الأسلوب السينمائي للمخرجة في تصوير شخصياتها، ففي أغلب المقاطع تتميّز اللغة السينمائية بجماليتها الحميمية كما في المشاهد التي تجمع المخرجة بصديقتها الممثلة ناتاشا، أو بشخصيات أخرى كالممثل بديع أبو شقرا. أما في بعض المقاطع، فتأخذ الكاميرا والمخرجة مسافة موضوعية من الشخصيات، لتخرج من حميمية السرد الأكثر ابتكاراً التي تميّز الشريط، إلى أسلوب المقابلة المصورة. وهو خيار يعود إلى تواتر الفيلم بين الجانبين الشخصي والعام، أو بين عالم المدينة وعالم المخرجة. وإن كانت المخرجة تضع بيروت كعنوان عريض للفيلم، فإن الجانب الشخصي هو المهيمن والأكثر جذباً بعفويته، من خلال حياة الشخصيات المختلفة التي يجمعها عالم المخرجة. وهم بتنوّع خلفياتهم يشكلون جزءاً من سكان هذه المدينة، من دون أن يمثلوا بالضرورة بيروت أو المجتمع البيروتي ككل.

تجنّبت تبني الترميز المضحك
لفئات الشعب اللبناني المختلفة
وذلك يمثّل سمة إيجابية لناحية تجنبه تبني الترميز المضحك لفئات الشعب اللبناني المختلفة الذي نراه في أفلام أخرى. كذلك تختلف اللغة التي تتحاور بها المخرجة مع شخصياتها، بين العربية والإنكليزية بحسب توجه كل منها، وهو أمر إن كان لا يغني بالضرورة الفيلم، إلا أنه يبدو واقعياً. بيروت التي نراها دائماً في الخلفية حاضرة كفكرة في ذهن الشخصيات التي تحاول تفكيكها أو تشريح علاقتها بها، وتتجسد سينمائياً عبر غياب الصورة المكتملة للمدينة التي نراها من زوايا تفصيلية أو نتلصص عليها مع المخرجة وصديقتها، لكنها تبقى مشتتة ولا تكتمل إلا في مخيلة المشاهد كما في عنوان الفيلم «ترويقة في بيروت» الذي قد يوحي بكل السيناريوات المحتملة. وتلك هي نقطة قوة الفيلم، خصوصاً في الطرح السينمائي غير المباشر الذي يعتمده في بحثه عن المدينة التي تسكن مخيلة ساكنيها، فيما هي تطبق عليهم بمساحاتها الفعلية، غير أنهم يبقون معلقين بفكرتها المتخيلة أو الحالمة التي دائماً ما تشدهم للرجوع إليها. ينتقص من هذا الطرح أحياناً، الطرح المباشر الذي تعتمده المخرجة في مقاطع أخرى كما مشهد البداية حيث تقول إنها تحلم ببيروت ونراها تُغمض عينيها، حيث الصورة تجسد المعنى حرفياً. إلا أن الإيقاع الحيوي والعفوي يضفي سلاسة وانسيابية على السرد السينمائي. أما ما يعلق في ذهن المشاهد، فهو تلك التفاصيل الصغيرة المعبرة التي ترصدها المخرجة في حواراتها مع شخصياتها، التي تنكشف لنا تدريجاً وتقودها المخرجة بعفوية نحو التحليل الذاتي، فيتحول الواقع اليومي لهذه الشخصيات من خلال عين المخرجة إلى روائي، يعزز منها الحميمية التي تبينها المخرجة في تصويرها للشخصيات أو حتى في علاقتها الخاصة مع الكاميرا. ما تسرده لنا المخرجة أو تحاول تشريحه في «ترويقة في بيروت» هو علاقة الحب التي تجمعها وغيرها بهذه المدينة التي ككل العلاقات العاطفية تتحول إلى مأزق يستحيل الخروج منه أو البقاء فيه.