بنسالم حميش: كثير من التنظير يقتل القصيدة
حسين بن حمزةشعر يقع في شِراك التفاصح والتفلسف والخطابة
في نهاية الديوان، نقرأ تذييلاً يوضح فيه الشاعر مذهبه الشعري، مصحوباً باقتباس من أبي حيّان التوحيدي. يتحدث عن مهمّات الشعر وعن قواعده المشرَّعة على التجريب والخرق. يتبنّى فكرة أن «أشعر الشعراء من يقدر على ترغيب الناس في مجاورة الشعر». هكذا، يُضاف شيء من التنظير الشعري إلى حقلَي الفكر والرواية. قصائد الديوان هي الفضاء الذي يحتضن كل ذلك. لا تختلف الموضوعات عما يتناوله الشعراء عادةً، لكنها تتزيَّا لدى صاحب «العلّامة» بمظهر فلسفي محمَّل بخلاصات ذاتية، كأن يقول في قصيدة «وقفة فكر»: «خندقْتُ على نفسي/ وتعاقدتُ مع الثبوتْ/ أستحضر روحي/ وأجالس الفكره/ علّني أصير فكره/ أو أي عطاءْ/ فيا فقراءْ/ إنْ لم يُؤتَ أُكلي حقِّروا خطابي/ وألقوني في الجُب/ ويوم موتي لا تسيروا وراء نعشي». في السياق نفسه، يُكثر حميش من الاستشهاد بشعراء وفلاسفة عرب وأجانب. كأنه يرشدنا إلى كتابات وإحالات مفضَّلة يُمكنها أن تُضيء شعره، وتقرِّبه من أذهاننا أكثر، بل إنه يستهلّ الديوان بمحاولات عديدة لتعريف الشعر، منها قول أبي تمام: «والشعر فَرْجٌ ليست خصيصتهُ/ طولَ الليالي إلا لمُفترِعِهْ». عنوان «افتراعات» متأتٍّ من هذا التشبيه البليغ. القصائد، بهذا المعنى، مطالبة بأن تكون على قدر هذه المسؤولية الجسيمة. هكذا يصبح الكلام عن الشعر أكثر من الشعر نفسه، ويحس القارئ أن التفاصح والتفلسف والخطابة تتحول إلى شِراكٍ للقصيدة بدل أن تكون أجنحةً تطير بها.