حالما بدأ عرض مسلسل وحيد حامد، اندلع الجدل وانقسمت الآراء في مصر: فريق يؤيد العمل، وآخر يهاجمه، وخطّ ثالث يعتبره تبييضاً لصورة النظام. مع ذلك، نجح العمل في فرض نفسه كأحد أبرز إنتاجات الموسم
محمد عبد الرحمن
على رغم أنّ عرّاب مسلسل «الجماعة» الكاتب المخضرم وحيد حامد التزم الصمت منذ بداية عرض العمل وقرر الرد على الانتقادات بالجملة في نهاية رمضان، إلا أنّ ذلك لم يمنع النقاد والسياسيين والصحافيين والجمهور من إبداء رأيهم في الحلقات الأولى للعمل الأول الذي يروي قصة تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، أقدم جماعات الإسلام السياسي وأقواها في العالم. وشهد موقع «فايسبوك» ما يمكن وصفه بالتحليل اللحظي للمسلسل، فكل مشهد وكل جملة حوار، وخصوصاً في الصدام بين الإخوان ورجال الأمن، يجري تحليلها من ثلاث فرق: الأولى ترى المسلسل عملاً مناسباً لكشف خطورة الإخوان المسلمين على مستقبل مصر إذا تسلموا الحكم، والثانية منحازة بالطبع للإخوان المسلمين، ويمثلها شباب الإخوان الذين دشنوا العديد من الصفحات والغروبات للرد يومياً على ما أسموه مغالطات المسلسل التاريخية. والفريق الثالث لا يتعاطف مع الإخوان المسلمين، لكنّه يرى أنّ المسلسل يقدم رؤية غير متوازنة، إذ يجمّل رجال الأمن على نحو مبالغ فيه. وهو الأمر الذي سيؤدي إلى نتيجة عكسية لدى الجمهور الذي قد يشكك في نوايا العمل، ويظن أنّ هدفه تجميل النظام في مصر لا كشف أسرار الإخوان.
غير أن كلّ هؤلاء أجمعوا حتى الآن على أنّ المسلسل يتمتع بمستوى فني عال مقارنةً بباقي المسلسلات المصرية التي أُنتجت هذا العام. إذ استخدم المخرج محمد ياسين الأسلوب السينمائي في إدارة التصوير، إلى جانب الاختيار المميز للأبطال حتى الذين يظهرون في مشاهد معدودة، والقدرة على إيجاد التوازن البصري بين المشاهد التي تدور أحداثها عام 2006 وتلك التي تعود إلى عشرينيات القرن الماضي. وقد اختار وحيد حامد أن يقدم مسلسلاً معاصراً يروي قصة طويلة ممتدة. وكانت البداية من أحداث العنف التي شهدتها جامعتا «الأزهر» و«عين شمس» عام 2006 بسبب طلاب الإخوان المسلمين وعلاقة قيادات الجماعة بهؤلاء الطلاب، وخضوعهم للتحقيق من جانب وكيل نيابة (يؤدي دوره حسن الرداد). والأخير يشعر بحيرة يعانيها كثيرون في مصر لدى تقويم تجربة الجماعة التي تعتبرها السلطات المصرية «محظورة» منذ عام 1954. فرفع الشعارات الدينية في مجتمع محافظ يعطي أصحاب هذه الشعارات حصانة حاول الرداد من خلال جد خطيبته (عزت العلايلي) أن يكشف خلفياتها، ويجيب عن السؤال الأهم: كيف استمرت الجماعة كل هذه السنوات وهي محظورة؟ وما سبب قوتها في الشارع المصري؟ من خلال رواية العلايلي قصة نشأة الجماعة، يذهب الجمهور إلى الإسماعيلية حيث ولد وتربى الشيخ حسن البنا (يؤدي دوره أياد نصّار) مؤسس الإخوان المسلمين.
هكذا لم يقدم وحيد حامد مسلسلاً تاريخياً صرفاً، بل حاول الربط، ونجح في ذلك، بين ما يحدث في مصر الآن وجذور هذه الأحداث قبل ثمانين عاماً. وهو الأمر الذي دعا العديد من المحللين والنقاد إلى تقديم رؤية مختلفة للمسلسل بعد حلقاته الأولى. الكاتب الصحافي محمد علي خير انتقد الهجوم المبكر على المسلسل من قيادات الإخوان، والهجوم على وحيد حامد واتهامه بأنه معاد للتيارات الإسلامية منذ زمن بعيد، بينما كان الأفضل الانتظار حتى انتهاء العمل وتقويمه كاملاً. غير أن هذا الخيار لم يكن مطروحاً لسبب بسيط أنّ الإخوان الذين زعموا قبلاً بأنّهم قادرون على تقديم عمل فني يرد على المسلسل، يدركون جيداً صعوبة ذلك. بالتالي، كان التشويش على المسلسل هو الحل كما كان متوقعاً، والدليل نشر تقارير

شباب الإخوان دشنوا العديد من «الغروبات» للرد على ما أسموه مغالطات المسلسل التاريخية

تؤكد وجود نية للاستفادة الإيجابية من «الجماعة» من خلال التركيز على أنّ المسلسل مصنوع بأوامر من رجال الأمن لكسب التعاطف الشعبي كما اعتاد الإخوان في كل معاركهم السابقة. بالتالي يخرجون من رمضان وقد زادت شعبيتهم، وهو الأمر الذي لفت إليه الناقد طارق الشناوي، لكن من زاوية أخرى. إذ وجه كلامه للإخوان بضرورة رؤية النصف الممتلئ من الكأس وهم يهاجمون المسلسل، لسبب بسيط أنّ العمل كسر الحاجز الإعلامي الحكومي حول الجماعة. فالصحف الحكومية منذ سنوات باتت تطلق على الإخوان المسلمين صفة «المحظورة». وعندما يُلقى القبض على بعضهم، ينشر الخبر بعنوان «القبض على 10 محظورين».
لكن حتى الآن، جعل التلفزيون المصري الرسمي اسم الإخوان المسلمين على كل لسان من خلال عرض المسلسل. وهي فائدة كبيرة كما يراها طارق الشناوي الذي توقع مثل غيره أن يستمر الجدل حول المسلسل لفترة طويلة حتى يتحدد الفائز: هل هو الإخوان أم النظام المصري؟ والأهم ألا يكون الخاسر هم الناس كما يؤكد العلايلي في برومو المسلسل عندما يقول إنّ الحكومات تصنع آلام الناس، والإخوان والأحزاب يتاجرون بتلك الآلام، لكن ليس هناك من هم مع الناس فعلاً.


المستشار كساب يتحدث

في اتصال مع «الأخبار»، أكد الفنان القدير عزت العلايلي (الصورة) الذي يؤدي شخصية المستشار كساب العضو السابق في الجماعة ويروي تاريخها لوكيل النيابة الشاب أنّ المسلسل لا يدين الإخوان المسلمين ولا يتجنى عليهم. والدليل حرص الكاتب وحيد حامد على ذكر المراجع التي اعتمد عليها في نهاية كل حلقة. وهي مراجع منشورة منذ سنوات طويلة ومن بينها كتب لحسن البنا، وقيادات الإخوان المسلمين. وأكّد العلايلي أنّ الأعمال الفنية يجب أن تناقش تلك القضايا، ومن حق الجميع الرد. والمستفيد في النهاية هو الجمهور الذي يحتاج إلى مزيد من المعرفة والتاريخ المصري الذي يحتاج إلى إعادة قراءة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها مصر.