الموسم الرمضاني يحيي تقاليد السماعبشير صفير
المهرجانات الفنية الصيفية الكبيرة انتهت قبل شهر الصوم. لكنّها مستمرّة في لبنان، وخصوصاً في بيروت، من خلال برامج الموسم الرمضاني. فالمواعيد الفنية باتت، بمثابة طقسٍ دنيَوي يرافق الطقوس الدينية في شهر رمضان، يضاف إلى الفوازير والمسلسلات الدائمة الازدهار هي الأخرى. ها هي الفضاءات الثقافيّة الجادة «تنافس» الشاشات الصغيرة، وتستقطب جمهوراً نوعيّاً باحثاً عن مواعيد الأنس.
لائحة الخيارات تشمل الكثير من الطرب والفولكلور والموسيقى العربية التراثية، وقليلاً من الفنون الدينية كالإنشاد والتجويد القرآني والغناء الصوفي. لم يكن هذا التقليد غائباً في الماضي، غير أنّ المروحة اتّسعت في السنوات الأخيرة، لتمثّل هذا العام تحديداً، ظاهرة فنية حقيقيةبابل» و«المدينة» المسرحَان البيروتيَّان اللذان تفصل بينهما أمتارٌ قليلة، يشهدان 14 أمسية رمضانية خلال فترة تمتد على أسبوعَيْن فقط. وإذا أضفنا «الليالي الرمضانية» (انطلقت أول من أمس) التي تستضيفها بالتزامن «أسواق بيروت»، و«خان الفرنج» (صيدا)، و«برج السباع» (طرابلس)، تصل لائحة الأماسي إلى خمسين، يحييها عشرات الفنانين اللبنانيّين والعرب.
بعد تخمة المواعيد الموسيقية الغربية التي قدمتها مهرجانات الصيف، ستغمر الأنغام الشرقية المدن اللبنانية الكبرى (بيروت، صيدا وطرابلس) حتى عيد الفطر. وسيحيي هذه الأماسي فنانون ينتمون غالباً إلى الحالة الفنية غير التجارية، ضمن التقاليد الموسيقيّة الأصيلة أو البديلة.
بمعنى آخر، فإن الموسم الرمضاني يمثّل فرصة ثمينة للتواصل مع تجارب قيّمة غير مستهلكة... وللقاء فنانين لا نراهم عموماً على الشاشة الصغيرة، ولا نستمع إلى أعمالهم على الإذاعات، ولا نقرأ أخبارهم في المجلات «الفنية». وأحياناً تكون بعض الأماسي مناسبة للتعرُّف إلى تجارب فنية جديدة وجديرة بالمتابعة. ثمة ملاحظة أخيرة في هذا السياق، تتعلّق بمخاطر استهلاك الأسماء نفسها موسماً بعد آخر. كما أنّ عدم التنسيق واضحٌ بين الجهات المنظِّمة الأساسية «بابل» (الذي شهد تراجعاً طفيفاً هذه السنة) و«المدينة» (الذي ينافس «بابل» بأسماء لافتة)، إذ تتضارب المواعيد بين المسرحين أحياناً، ما يضع جمهور الذوّاقة أمام خيارات صعبة.

هُمام عبد الخالق يقدّم الفولكلور العراقي، وكلاسيكيات ناظم الغزالي

تحت عنوان «طرب وموسيقى رمضانية» يفتتح الفنان اللبناني الشاب زياد سحّاب (راجع المقال أدناه) وفرقته الليلة الموسم الرمضاني الرابع في «بابل» منذ انطلاقه على يد جواد الأسدي. وفي الفضاء نفسه، يكتشف الجمهور، مساء السبت المقبل، المغني العراقي هُمام عبد الخالق، الذي سيؤدّي أعمالاً من فولكلور بلاده، إضافةً إلى كلاسيكيات الراحل ناظم الغزالي. وفي 25 الحالي، نحن على موعد مع عازف العود والمؤلف الموسيقي اللبناني زياد الأحمدية، الذي سيقدّم أعماله الخاصة بين الموسيقى الشرقية والجاز. تليه إحدى أهم فرق الغناء الجَماعي في لبنان، «كورال الفيحاء» (26/ 8) التي ستقدّم باقة من الكلاسيكيات الشرقية وغيرها، بقيادة باركيف تسلاكيان. للشيخ إمام حصّته أيضاً في رمضان «بابل»، إذ اختارت الفنانة اللبنانية نسرين حميدان لأمسيتها (28/ 8) أغنياتٍ شهيرة من تركة الشيخ الضرير الذي يعدّ أيقونة اليسار العربي. بعد حميدان، تستقبل بيروت فرقة باتت من الضيوف الثابتين في أماسي «بابل»، ونقصد «شيوخ سلاطين الطرب» التي تقدّم هذه السنة أمسيتَيْن متتاليتَيْن في الأول والثاني من أيلول (سبتمبر) المقبل. أمّا مسك الختام، فحفلة لفنان ملتزم طال غيابه: إنّه سامي حوّاط، الذي سيقدّم عزفاً آلاتياً مع فرقته (3 و4/ 9)، في استعادةٍ لتجربة «رحالة»، أسطوانته الأخيرة التي صدرت قبل سبع سنوات!
أما نضال الأشقر، فقد شكلت لنا برنامجاً منوعاً في «مسرح المدينة»، مع حضور لافت لـ «أهل الدار» من خالد العبد الله إلى جاهدة وهبه. الافتتاح مساء الغد مع دنيا مسعود (راجع ص 17). وفي 20 آب (أغسطس) يشهد «المدينة» الموعد الأقرب إلى المعنى الديني للمناسبة، مع فرقة «الدراويش» السورية التي يليها في الاتجاه ذاته عازف العود والمنشد المصري المقيم في لبنان مصطفى سعيد (24/ 8). وفي 26 الحالي، نحن على موعد مع اللبناني خالد العبد الله الذي يعدّ ظاهرة غريبة في تناول التراث الغنائي الطربي، لقدرته على الجمع بين الخيارات العريقة، والسلوك التجاري في تقديمها شكلاً ومضموناً. ويعود المغنّي السوري بشّار زرقان (2/ 9)، بعد لقاء أول مع الجمهور اللبناني السنة الماضية ضمن مهرجان «موسيقى ــــ 3». وتختتم برنامج «مسرح المدينة»، فنّانة يعرفها الجمهور الذي يرتاد المكان جيداً، وجمهور الطرب في بيروت عموماً: إنّها المطربة جاهدة وهبه التي تقدّم، برفقة فرقتها الموسيقية، بعض أعمالها وبعض الأغنيات الكلاسيكيّة العربيّة (4/ 9).
الموسم الرمضاني بدأ يحتل مكانة حقيقيّة على خريطة الحياة الثقافيّة في بيروت... فهل تتّسع رقعة انتشاره لتشمل مسرح «دوّار الشمس» في الموسم المقبل؟


* «رمضان في المدينة» ـــــ «مسرح المدينة» ـــــ للاستعلام: 01/753010
* «طرب وموسيقى رمضانية» ـــــ «مسرح بابل» ـــــ للاستعلام: 01/744033