دنيا مسعود «تبيع ياسمين» في المدينة هالة نهرا
ليست كسائر المغنّيات الشابّات. ما ستقدّمه في «مسرح المدينة» غداً، يشبهها كثيراً. إنّه بسيطٌ ومكتنز. تشفّ بساطتها عن عمق دفين قد يُحدث تغييراً نوعيّاً إذا تسلّل إلى أغنياتها الخاصة، ومقاربتها للفولكلور المصري. كلماتها المنغّمة مكسوّةٌ بالعفوية. وكذلك أداؤها الغنائي/ التمثيلي، إذ «لا يمكن الفصل بين التمثيل والغناء» كما تقول.
حين تغنّي دنيا مسعود، تلج أمكنتها الأولى، وتتقمّص شخصيّات أبطالها الآتين من الفقر والحبّ والطيبة. هذا ما يوصف به أهل الأرياف، وتحاول دنيا «ترجمته» بنبشها ذاكرة فنّية شعبية لم تندثر بعد. تغنّي للمدن أيضاً (بور سعيد، مثلاً).
«بنت النيل» تحاول العثور على المعادلة التي تجمع بين المعاصرة والأصالة والاختلاف، ما يصعّب احتمال إتمامها لأسطوانتها الجديدة قريباً. في المقابل، سعيها الدائم إلى تقديم أغنيات من هذا النوع، يسهم في نضوج تجربتها. بادرةٌ لافتة أن تفتتح هي بالذات أمسيات «رمضان في المدينة»، في مسرح لم يتردّد في احتضان تجارب الشباب، وإحياء التراث الموسيقي العربي.
«فرقة قرايبنا» اللبنانية سترافق دنيا في حفلتها، وتضمّ صبحي عبدو (عود) وإبراهيم عقيل (ناي، ومزمار) ورامي عقيل (طبلة) ونبيل الأحمر (كيخون، ورِقّ، وكاتم). إضافة إلى الأغنيات التراثية المصرية التي تؤدّيها للمرّة الأولى في بيروت، ستفاجئ دنيا الجمهور اللبناني بأغنية جديدة خاصة بعنوان «مش مهمّ» (كلمات الزميل الشاعر المصري محمد خير، وألحان تامر أبو غزالة). وتستعد «لتصويرها على شكل فيديو كليب بالتعاون مع المخرجة اللبنانية كندا حسن»، كما تقول لـ«الأخبار».
لدنيا مسعود قصّة طويلة مع هذه الأغنية. بعدما «سكنها شعر محمّد خير»، قام الفلسطيني تامر أبو غزالة بتلحينها. أغنية «مش مهمّ» تحاكي الفولكلور الشامي، و«تكتسب راهنيّتها وطزاجتها من اليومي والمعيش»، على حدّ تعبير دنيا. أمّا الأغنيات التراثية المصرية، فتتهيّأ دنيا ـــــ بحماستها المعهودة ـــــ لتأديتها بلا كورس، «لأنّنا نفتقر في العالم العربي إلى مفهوم الغناء الجماعي القائم على الحسّ الدرامي والنزعة الهزلية».
الأغنيات المقرّرة في برنامجها البيروتي، غداً في «المدينة»، لن تكون كلّها قصيرة. فـ«السيرة الهلالية»، مثلاً، تستغرق عشر دقائق. يتخلّل البرنامج «شبكة الغشيم» (أغنية من أسوان) و«عليل يا تمرجية» (من الإسكندرية) و«بيبا»، إضافة إلى «عَ اللي تغرّب» (من صعيد مصر) و«بابيع ياسمين».

أغنيات جديدة خاصة بينها «مش مهمّ» من شعر محمد خير

في نمطها الغنائي المعروف، يصبح الحديث عن الطابعين الأفريقي والشرقي/ العربي أمراً بديهيّاً، وخصوصاً أنّها لم تقدم على مشاريع موسيقية أخرى. حاولت ذات مرّة أن تخوض معترك «الفيوجن» مع فتحي سلامة (مؤسّس فرقة «شرقيّات»)، لكنّها لم تتقبّل فكرة الخليط الموسيقي «غير المتجانس الذي يضمّ آلات كهربائية وممكننة مثل الباص والإلكتريك بيانو والكيبورد...».
التراث، كما تؤكّد، «عليه أن يقدَّم بصيغته الأصلية الخام من دون فذلكة، وأيّ محاولة للإضافة إليه أو تحديثه بصورة عشوائية قد تهدّد بفقدان الذاكرة». من جهة أخرى، تبدي دنيا إعجابها بالأخوين رحباني وزياد الرحباني الذين «تمكّنوا من عصرنة الأغنية العربية، وتوزيع الفولكلور اللبناني من دون المساس بجوهره». لقد «سئمتُ التصنيفات النقدية التي تزجّني في قائمة الباحثين المؤتمنين على التراث المصري، هذا شرفٌ لا أدّعيه»، تقول دنيا. هاويةٌ هي، وستبقى كذلك رغم مهنيّتها. لا تريد لأغنياتها أن تحقّق ما يتطلّبه الغناء عادة من شروط واحترافية. تغنّي حين تشاء، وتندّي أحلامها بأغنيات في شارع الحمرا، حيث تستمع إلى نينا سيمون وتلهو
بالرغبات.


10:00 ليل الغد ـــــ «مسرح المدينة» (الحمرا/ بيروت).