نما في بيروت» مبادرة شبابيّة بلغت سنّ الرشد. الدورة التاسعة التي تنطلق الليلة تقدّم تجارب أساسيّة في مسار الإبداع اللبناني. على البرنامج تحيّة لكريستيان غازي، ووقفة مع فيلم للإيراني بهمان غوبادي
سناء الخوري
حين انطلق «مهرجان الفيلم اللبناني» صيف عام 2001 بمبادرة من مؤسسة «... نما في بيروت» né à Beyrouth، كانت التجربة غير مألوفة. لم يكن الحضور كثيفاً في «المركز الثقافي الفرنسي» طوال التظاهرة. أمّا البرنامج، فكان تجميعاً لأفلام قصيرة ومستقلّة أنتجت على مدار خمس سنوات، بادر نديم تابت، وبيار صراف إلى اختيارها (انضمّ إليهما لاحقاً في مطبخ التنظيم وديع صفي الدين والسينمائية دانيال عربيد).
نتذكّر في المقابل أجواء الحماسة في دورتي المهرجان الأخيرتين. باتت الصالة تعجّ بجمهور شاب تصالح فجأة مع فكرة «الحدث الثقافي». وهذه الأجواء ستنسحب على الأرجح على الطبعة التاسعة من «مهرجان الفيلم اللبناني» التي تنطلق عند السابعة من مساء اليوم. حتّى الآن، أكّد 1500 ضيف حضورهم إلى صالة «متروبوليس أمبير صوفيل»، على الحائط المخصّص للحدث على «فايسبوك».
بعد تسع سنوات على انطلاق مغامرة «... نما في بيروت»، نجح المهرجان في التحوّل إلى فسحة ضروريّة لعشرات الأفلام اللبنانيّة ذات الميزانيات المتواضعة. كسب المنظّمون رهانهم الأوّل في تحويل الحدث إلى منبر لسينمائيين وفناني فيديو شباب تقاطعهم الصالات والشاشات.
58 فيلماً بين روائي ووثائقي واختباري، بينها أعمال فيديو، وأشرطة تحريك، وأخرى منجزة على طريقة الفيديو كليب غير التجاري، ستعرض على مدى خمسة أيام. معظم هذه الأعمال من إنتاج 2009 و2010، وقد اختيرت من بين 160 عملاً... هذا الزخم يجعلنا نسأل إن كانت المبادرات الفرديّة والمستقلّة، قد أصبحت بديلاً ممكناً لأزمة السينما بشتّى تجلياتها؟ بغضّ النظر عن تفاوت المستوى الفنيّ بين عمل وآخر، تحوّل «مهرجان الفيلم اللبناني» إلى موعد ضروري مع «الفن السابع» اللبناني البديل، ومع أعمال الفيديو الـ«أندرغراوند» والمعاصرة، الفتيّة منها والمكرّسة.
الفنان أكرم زعتري مثلاً، يعرض غداً شريطه القصير «العرب يحبون القطط»... العمل خلاصة مصوّرة لرحلة إلى طنجة (المغرب)، ترافقها موسيقى تصويريّة حيّة يوقّعها شريف صحناوي. إلى جانب أحد أكثر الفنانين خبرة على ساحة الفنون المعاصرة في بيروت، ستضمّ الأمسية نفسها ثلاثة عروض لسينمائيين من جيل أصغر. شيرين أبو شقرا تشارك في شريط تحريك بعنوان Conversations with changes، وتأخذنا في جولة إلى عوالم مدينة مرسومة، وشذرات من أحداث متخيّلة. سيعرض أيضاً شريط «بالسما» لتانيا شويري، عن طفل في الثامنة يبحث عن الله. يليه روائي لرامي قديح بعنوان «المثانة» عن صديقين أحدهما حالم جداً والآخر معتدّ جداً برجولته.
الأعمال كلّها تأخذ منحىً ذاتياً، يقولب الواقع السياسي والذاكرة، ويروي المدينة نفسها بألف صيغة وصيغة. من ذكريات حرب تموز، اختار مروان خنيصر تصوير أولاد يلعبون في أحد أبنية الشيّاح خلال العدوان في شريط اختباري بعنوان «ذاكرة قصيرة». ومن ذكريات صيف 2006 نفسه، صنعت رين متري وثائقياً طويلاً بعنوان «هشّ» Vulnérable، تستعيد فيه محطات القلق والخوف، وتقرأ وجوه أصدقاء رحلوا، وتحكي شعوراً ما بالانسحاق. روي عريضة من جهته يبدو مسكوناً بانطباعات خياليّة وفانتازيّة عن الحرب الأهليّة، إذ نجده يحوّل أحد رجال الميليشيات إلى مصاص دماء في شريط «أطلال»... (تحيلنا المقاربة إلى «أطلال» غسان سلهب!).
الذاتية المطلقة تنسحب أيضاً على الأعمال البعيدة عن تيمة

58 فيلماً بين روائي ووثائقي واختباري، بينها أعمال فيديو، وأشرطة تحريك
الحرب، كما في «حركة الصُلْع في بيروت» لخالد رمضان وجوان نوشو. يبحث المخرجان عن السبب في حالة الصلع العام في مقاهي العاصمة! سيرين فتوح تطلب من رجلين مفتولي العضلات، من أبطال لعبة رفع الأثقال، أن يتحدّثوا عن الحب والجمال والمشاعر الرقيقة في «حديث في الحب 1 و2». أمّا زياد عنتر، فيركّز عدسته الاختباريّة على حبات البطاطا المزروعة في سهل البقاع في «أرض البطاطا». من جهتها، تصوّر جيهان شهيب مصارعة بين رجل وامرأة، لا نعرف إن كانت سرير حب أو ساحة قتال، في شريط DRU.
على البرنامج أخيراً، موعدان يوسعان أفقه: عميد السينما اللبنانيّة كريستيان غازي، سيحضر من خلال شريطه «مئة وجه ليوم واحد». كذلك، يعرض شريط الإيراني بهمان غوبادي «القطط الفارسيّة» (راجع الإطار أعلاه) الذي تتلوه مناقشة، بالاشتراك مع «هيومن رايتس ووتش».
«مهرجان الفيلم اللبناني» بات اليوم الفسحة «الرسميّة» لالتقاط نبض السينما في هذا البلد، بمختلف وسائطها (التحريك والفيديو والتصوير الرقمي والـ35 ملم)، واكتشاف أسمائها الجديدة. تلك السينما التي حوّلها الشباب وسيلة فرديّة وحميمة لاستيعاب واقع بالغ التعقيد.

السابعة مساء اليوم حتّى 23 آب (أغسطس) الحالي ــــ «متروبوليس أمبير صوفيل» ــــ للاستعلام: 01/203485



الفنّ في مواجهة القمع

بالتعاون مع مؤسسة Human Rights Watch يعرض «مهرجان الفيلم اللبناني» مساء السبت، شريط يهمان غوبادي، «لا أحد يعرف شيئاً عن القطط الفارسيّة» الذي نال جائزة لجنة التحكيم الخاصة لتظاهرة «نظرة ما» في الدورة الماضية من «مهرجان كان» الفرنسي، ويدور في عالم الهامش والموسيقى البديلة في إيران. صاحب «وقت لنشوة الخيول» (الكاميرا الذهبية في «كان» ــــ 2000)، نزل إلى العوالم السفليّة في طهران، مع دراجة ناريّة، وكاميرا رقميّة صغيرة، ومجموعة فنانين شباب ضاقت بهم الثقافة الرسميّة. الفيلم الذي صوّر سرّاً، يستقي عنوانه من أغنية لفرقة RAP إيرانيّة تسخر من قرار منع القطط والكلاب في الشوارع، بحجة أنها «حيوانات غير طاهرة». ويتتبّع حياة الموسيقيين الشباب الذين تجرّأوا على الخوض في أنواع موسيقيّة محرّمة، مسلّطاً الضوء على دور الفن في مواجهة القمع.