كان الموت أعند من الممثّل اللبناني الذي رحل أمس عن 67 عاماً. ابن العصر الذهبي للخشبة اللبنانية، بقي يحلم بتأسيس «مسرح الشعب» حتى آخر أيام حياته
باسم الحكيم
لا تنتظروا زياد مكوك هذا الصباح في الحمراء، فهو لن يمرّ في الشارع البيروتي بعد اليوم. بعد صراع مع المرض أجبره على ملازمة المستشفى على نحو متقطّع، وإجرائه عمليّتي قلب مفتوح، رحل «خردق» أمس، عن 67 عاماً. «المجنون العاقل» كما قال عنه الشاعر طلال حيدر ذات مرّة، استقال من حلمه الطموح بإحياء «مسرح الشعب» في العاصمة. لم يتوانَ من أجل تحقيق حلمه الأثير عن دقّ عشرات الأبواب، وترشيح نفسه للانتخابات، وعرض أثاث منزل والده العتيق للبيع، وصولاً إلى الانفصال عن زوجته... تغييبه مع رعيل كبير من المخضرمين عن الشاشة الصغيرة والمسرح، لم يثنه عن مواصلة مغامرته المستحيلة بكثير من العناد.
في برمجة رمضان لهذا العام، شاءت المصادفة أن يطلّ عبر شاشة «المؤسسة اللبنانيّة للإرسال» في النسخة الثانية من «الدنيا هيك». كأنّ القدر تدخل، ليعطيه فرصة لوداع محبيه. ظلّ العمل طويلاً في أدراج الـ LBC وشاءت الظروف أن تفرج عنه هذا العام. ليجتمع مكوك (خردق) من جديد بنجوم الزمن الجميل من آمال عفيش (شويكار)، ويوسف شامل (علّوش)، ويوسف فخري (كوكو). غادرنا مكوك أمس، وهو في خضمّ التحضير لحملة جديدة لبناء «مسرح الشعب»... وفي المرحلة الأخيرة من حياته أصدر سيرته «من طق طق لهلّق» بالعاميّة، ليعيد تذكير المهتمين بأحقيّة مشروعه.
رافق تجربة شوشو منذ الستينيات وحتّى اندلاع الحرب الأهليّة
صديق شوشو (حسن علاء الدين) ورفيقه على المسرح ولد فناناً. في سهرات شارع صبرا حيث عاش طفولته (ولد في زقاق البلاط) لقّب منذ سنّ الخامسة بـ«عنتر» الحكواتي الصغير. حين قرر أن يمتهن التمثيل، طرده والده من البيت، ومنذ ذلك الحين بدأت رحلته الوعرة مع الفرجة التي عشقها. عمل مع مجموعة هواة في المسرح، ثمّ شرّعت أمامه أبواب التلفزيون عندما عرّفه المخرج المسرحي محمد كريّم بمحمد شامل مطلع الستينيات. أسند إليه شامل إحدى الشخصيّات الأساسيّة في مسلسل «يا مدير»، ثم تابع مكوك المشوار في التلفزيون مع «الدنيا هيك»، و«ألو حياتي»... إضافة إلى مشاركته في أكثر من فيلم سينمائي.
سطع نجم زياد مكوك بقوّة على خشبة «المسرح الوطني الشعبي» إلى جانب شوشو ونزار ميقاتي. بين عام 1965 ومطلع الحرب الأهليّة، شارك في 29 عملاً مسرحياً إلى جانب شوشو، وإبراهيم مرعشلي، ومارسيل مارينا، وآخرين من نجوم العصر الذهبي. وبعد الانفصال بين ميقاتي وشوشو، بقي مكوك ممثلاً أساسياً في فرقة «مسرح شوشو» يؤدّي أدوار البطولة الثانية.
في الثمانينيات، سافر إلى القاهرة، وعمل هناك، ليعود بعد الحرب إلى بيروت على أمل إنجاز مشروعه... لم تساعده «ظروف البلد»، وأصبحت إطلالاته الفنيّة متقطعة. عمل في «الإذاعة اللبنانية» ربع قرن، ومن أعماله الدراميّة الأخيرة، مسلسل «الشيخة الأميركيّة» للمخرج زناردي حبيس... لم يشأ أن تمرّ آخر إطلالاته الحواريّة في برنامج «ساعة وفا» مع ميشال الحوراني قبل ثلاثة أعوام عاديّة. فرفع لافتات في شوارع بيروت، كتب عليها «المغفور له زياد»، من أجل دعوة الناس إلى مشاهدة الحلقة على «تلفزيون لبنان». حتّى الأيام الأخيرة من حياته، وكما كتب عنه ذات مرّة طلال حيدر: «بقي يحلم كمن يبني وطناً بالبال».

يوارى مكوك في الثرى اليوم في «مقابر الشهداء» وتقبل التعازي اليوم وغداً وبعد غد في «جامع الخاشقجي» (بيروت)