هذا الموسم، ظهرت ثغرات المسلسلات منذ الحلقات الأولى، ووقعت كلّها في فخ التطويل، فيما بدا الممثلون نسخةً مكررةً عن أدوار لعبوها في السابق
وسام كنعان
كل مرة تنتقد الصحافة أحد المسلسلات السورية في رمضان، ينتفض الوسط الفني غاضباً، بسبب ما يعتبره حكماً مسبقاً على الأعمال الدرامية. وبرأي هؤلاء، فإنّ تقويم أي عمل لا يتمّ قبل مشاهدة المسلسل بأكمله، أي الحلقات الثلاثين.
هذه النظرية ليست صحيحة دائماً، إذ يمكن من تابع الحلقات العشر الأولى من الدراما السورية التي تعرض في رمضان أن يخرج حتماً بمجموعة استنتاجات، أبرزها أن التطويل والثرثرة الزائدة قاسم شبه مشترك بين مختلف الأعمال. ولعلّ أكثر الأعمال التي ينطبق عليها ذلك هي مسلسلات البيئة الشامية. مثلاً يكتشف المشاهد سريعاً أنّ «باب الحارة» بجزئه الخامس لا يقدّم أي جديد. وقد يكتفي الجمهور بمتابعة بضع دقائق من كل حلقة لمعرفة أن العمل يكرّر نفسه على مستوى الأحداث. كذلك الأمر بالنسبة إلى الجزء الثاني من «أهل الراية» الذي يستمرّ في عرض مشاهد حفظها جمهور الدراما السورية. نرى مثلاً أبطال الحارة يواظبون على الصلاة وراء رجل دين يؤدي دوره النجم زهير عبد الكريم. إضافة إلى صلاة العيد وخطبتها وميزة اليوم الأول بعد شهر صوم... وغيرها من المشاهد التقليدية التي يعتبر رائدها المخرج بسام الملا بعدما كررها في أعماله عشرات المرات. ويبدو أن مخرج «أهل الراية» سيف الدين السبيعي تأثّر بهذا النمط، فعمد إلى تكرار هذه المشاهد ربّما حرصاً منه على تقاليد الدراما الشامية.
برع تيم حسن في «أسعد الوراق» وقصي خولي ورنا شميس في «تخت شرقي»
ورغم كل هذه الثغرات، يبقى للدراما الشامية فضل على بعض النجوم، أبرزهم سامر المصري الذي لا يزال يحاول عبثاً استعادة أمجاد «العكيد أبو شهاب» الضائعة. وهذا العام يجسد المصري شخصية «الدبور» في العمل الذي يحمل العنوان نفسه. في المسلسل، يواجه البطل جيوشاً عاتية من الرجال، وينتصر عليهم من دون أدنى شك! وبموازاة الدراما الافتراضية وسيناريوهاتها، تقدم رشا شربتجي النسخة الجديدة من «أسعد الوراق» الذي تدور أحداثه في بيئة دمشقية، مختلفة عن صورة الدراما الشامية.
ولا تبدو صورة الأعمال التاريخية أفضل من فانتازيا دمشق الفاضلة. تفتقد بعض هذه المسلسلات الصدقية في المشاهد. مثلاً تظهر النساء المؤمنات في مسلسل «رايات الحق» (رنا الأبيض، وعبير شمس الدين، وجيني إسبر) بكامل أناقتهن وثيابهن المحتشمة إلى جانب التبرّج المبالغ فيه أحياناً! ولا يختلف الأمر في «صبايا» حيث تطلّ نجمات العمل أمام الكاميرا بكامل الماكياج ومستلزمات الجمال الاصطناعي كالرموش المستعارة حتى لو كان المشهد يتطلب عكس ذلك.
من جهة أخرى، ورغم ما قيل بأنّ الموسم الرمضاني سيكون أقلّ كآبةً من السنوات السابقة، يبدو الواقع حتى الساعة عكس ذلك. وخير دليل على جرعات الحزن المعروضة، هو «قيود الروح» الذي كان أول عمل يقع في مطب التطويل. هكذا يحاول المسلسل إغراق المشاهد بالحزن عند إضاءته على ذوي الاحتياجات الخاصة. وما يزيد الطين بلّة الموسيقى التصويرية التقليدية التي تضفي على العمل جرعة زائدة من الكآبة. كذلك الأمر مع «وراء الشمس» الذي يغوص أيضاً في تفاصيل حياة ذوي الاحتياجات الخاصة، باستثناء بعض اللقطات المضحكة التي يصوّر فيها المخرج سمير حسين خفة الظل التي يتمتع بها المصابون بـ«متلازمة داون»، عبر شخصية علاء التي يؤديها علاء الدين الزيبق ويبدو أنه نجم الدراما السورية لهذا الموسم من دون منازع.
من جهتها، استطاعت الحلقات الأولى من «لعنة الطين» تقديم متعة كبيرة للمشاهد مع انطلاق الأحداث من إحدى القرى الساحلية. لكن ما إن ينتقل بطل العمل إلى دمشق حتى تدخل الروح «الهوليوودية» فجأة على المسلسل لنرى عصابة تركب الدراجات النارية، وتعتدي على طالبة جامعية بالضرب. أما في «ما بعد السقوط» فتوحي الصورة المعتمة بالاختناق، رغم استثنائية الحدث الذي يقوم عليه العمل وهو سقوط مبنى مأهول بالسكان.
إضافة إلى كل ما سبق، يمر مُشاهد الدراما السورية على ممثلين يؤدون شخصيات عدة في أكثر من عمل. لكن الأكيد أن المشاهد لن يتمكن من التقاط فروق تذكر بين تلك الشخصيات. كما ستحضر في ذهنه شخصيات أداها الممثل ذاته في مسلسلات سابقة. مثلاً يجسّد عبد المنعم عمايري في «الخبر الحرام» دوراً شبيهاً بذاك الذي لعبه في «تحت المداس» العام الماضي. كذلك، فشخصية عباس النوري في «الخبز الحرام» لا تختلف عن الشخصية التي أداها في «شتاء ساخن» العام الماضي. بينما يجسّد سليم صبري، وضحى الدبس، وسوسن أرشيد، وديمة قندلفت، أدواراً تبدو هي نفسها في أكثر من مسلسل سوري هذا الموسم. بينما يبرع كلّ من تيم حسن في أداء شخصية أسعد الوراق وقصي خولي ورنا شميس بدوريهما في «تخت شرقي». أما عدد المسلسلات الكبير فقد أسهم في إلغاء أي تميّز، باستثناء «ذاكرة الجسد» الذي تميزه اللغة الفصحى والوجوه التي هي حكر على نجدة أنزور.


الكوميديا في الطليعة

تبقى المسلسلات الكوميدية السورية هذا العام الأكثر متابعة من «ضيعة ضايعة» مروراً بـ«أبو جانتي ملك التكسي»، وصولاً إلى «بقعة ضوء» الذي يعيد أفكار أجزائه الستة الماضية. من جهة أخرى، يحقق بعض الممثلين حلمهم الكبير هذا الموسم بمرور اسم كل منهم على الشارة كمشرف عام على أحد الأعمال السورية. ومن هؤلاء الممثلين لورا أبو أسعد في «قيود الروح»، وصفاء سلطان في «بعد السقوط»، وسامر المصري في «أبو جانتي». وهو ما ينطبق أيضاً على مجموعة من تجار الإسمنت والمقاولين الذين شاءت الظروف أن يعملوا في الإنتاج الفني لتمر أسماؤهم في الشارة كمشرفين على الإنتاج عامة.