وكادت الجارية تصيح: «يا فضيحتي»محمد خير
تُرى ماذا كان شعور الفنانة صباح قبل بث حوارها مع نضال الأحمدية، بعدما قدمت قناة «القاهرة والناس» دعاية الحلقة بعبارة «حوار قد يكون الأخير مع صباح»! عادة، يروّج الصحافي أو الإعلامي لحواره مع شخصية «راحلة» بعبارة «الحوار الأخير مع فلان»، لكن «الشحرورة» ــــ أمد الله في عمرها ــــ لم ترحل بعد. هي على قيد الحياة والفن. مع ذلك، فإن تلك «الدعاية» لم تكن الأغرب في رمضان 2010.
تتفاوت المستويات الفنية والتقنية لبرامج ومسلسلات رمضان الحالي على الشاشات العربية. لكن الغرابة كانت عنصراً مشتركاً بين الكثير من المواد التلفزيونية. غرابة سبّبها ضعف الإخراج حيناً، وهوس التنافسية أحياناً، فضلاً عن الاستسهال. ما يقلب مشاهد تراجيدية إلى كوميدية والعكس. لنتأمل المشهد التالي من مسلسل «كليوباترا» للمخرج وائل رمضان: في جنح الليل، يتسلل كريكوس ملك مصر من فراش زوجته الملكة برنييس شقيقة كليوباترا. لماذا يتسلل الملك من فراشه؟ كي يخون زوجته مع جارية. أين يخونها؟ يفعل ذلك تحت بئر سلم مظلم! وكأنّه ياسين ابن سي السيد في ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة. الأغرب هنا أنّ الجارية «الشريفة» تحاول إبعاد كريكوس ولا تتوقف عن ضرب ملك مصر صارخة «ابتعد يا مولاي»! حتى يظنّ المشاهد أنها ستصرخ «يا فضيحتي». طبعاً ينتهي المشهد بضبط الملكة للملك، ومن ثم تقتله لا بخنجر أو سيف أو حتى ثعبان كوبرا (كعادة المسلسل)، بل انهالت على رأس الملك قائد الجيوش فحطمته بحجر صغير لا يتجاوز حجمه كفّ يدها. وبعدما قتلت الملك، بصقت على الجارية! الطريف أنّه عندما تسلّل الملك من فراشه، وضع مكانه وسادة كي يخدع زوجته ملكة مصر. ومن المعروف أنّ الدراما تستخدم «خدعة الوسادة» كي تخدع الناظر إلى السرير من بعيد. أما أن يضع الملك وسادةً لخداع زوجته النائمة في حضنه، فتلك من الابتكارات التي لا تتوقف لمسلسل «كليوباترا». الملكة العظيمة التي أراد المؤلف قمر الزمان علوش أن يضيف إلى سيرتها شخصية خيالية من وحي المؤلف، فلم تقترح قريحته سوى شخصية كاري، وهو لص مصري متشرد أحبته كليوباترا ابنة بلطيموس الثاني عشر، إلى درجة أن ضباط الرومان لم يستطيعوا محوه من قلبها!
لكن «شاي» أمن الدولة لم يكن أغرب من مشاهد «كليوباترا». في مسلسل «الجماعة» الذي أثار جدلاً لن يتوقف قريباً، تأثرت عناصر الإخراج المتميز لمحمد ياسين بغرابة المشاهد التي يظهر فيها ضباط أمن الدولة (الأمن السياسي). لم تكن المشكلة أن السيناريو قدم نموذج الضابط مزيجاً من الحكمة والحنان والذكاء والوطنية في آن واحد، حتى بدا ضابط أمن الدولة أقل قسوة من الشرطة المدرسية. بل عندما يسأل وكيل النيابة (حسن الرداد) أحد عناصر طلبة الإخوان المسلمين أثناء التحقيق: هل ضربك أحد في أمن الدولة؟ يرشف المعتقل رشفة من كوب الشاي الساخن ويجيب بابتسامة حزينة: «كلا، لكنهم يقدّمون لنا الشاي الرديء بديلاً من الضرب»!
وفي الوقت الذي قدمت فيه صابرين أداءً متميزاً في مسلسل «شيخ العرب همام»، فقد حيرت الجمهور بـ«باروكتها» التي تنافس المشاهدون على تبيان حقيقتها... حتى حسمت صابرين الأمر بنفسها في تصريحات صحافية، وأكدت أن شعرها ما هو إلا شعر مستعار، وبالتالي، فإنها لما تزل محجبة! هذا الحجاب المبتكر لم يكن إلا نتاج التناقض بين متطلّبات الحجاب «الطبيعي» ومتطلبات مهنة التمثيل، ولا يسع المشاهد سوى أن يتساءل: لو كان الحجاب يغطي شعر المرأة لأنه «فتنة»، فهل تعتبر صابرين الشعر الاصطناعي أقل فتنة؟ أم أنّ الذنب يقع، في تلك الحال، على الباروكة بدلاً من صاحبتها؟ لكن أسئلة هند صبري ليست أكثر معقولية. الأداء الانفعالي المبالغ فيه من النجمة التونسية ومعظم فريق العمل يوضح مدى سوء ــــ أو غياب ــــ سيطرة المخرج. لكن في الوقت الذي تقبّل فيه قارئ كتاب «عايزة أتجوز» (المقتبس عنه المسلسل) فرضيّة أنّ فتاة شابة تعاني جداً من أجل الحصول على عريس، فإنّ المسلسل ـــــ وهو معادل بصري ــــ لم يراع الفرق بين الدراما المكتوبة والمرئية. هكذا لم تتوقف مشكلات المسلسل عند مستوى التمثيل وعناصر الإخراج، بل بقيت المشكلة الأساسية وهي: كيف يصدق المسلسل أنّ الجميلة (هند صبري) الطبيبة الصيدلانية الشابة، وابنة الطبقة الوسطى تعاني كل هذه المعاناة، حدّ الإذلال، من أجل العثور على عريس مناسب؟ يقول المسلسل لجمهوره «صدّق أو لا تصدق»... وبدا تماماً من نسبة المشاهدة الضعيفة أنّ الجمهور لم يصدّق!


عجبي

«مصر أبو الذكورة»!هو الاستفزاز ذاته الذي يدفع الضيف من خانة البوح إلى الدفاع عن نفسه بعدوانية، ويحيل الحلقة أحياناً إلى تحد شخصي بين الضيف ومحاوره. مثلاً، تسأل نضال الأحمدية «زميلها» مفيد فوزي: «هل أنا أنثى أولاً أم محاورة؟». يجيب فوزي: «أنت مزيج بينهما»، فتنهض نضال لتقبّله! ولا يفهم المشاهد علاقته بكل هذا. في السياق نفسه، لا يفهم فوزي سؤالاً مفاجئاً من نضال: «لماذا لبنان ذكر وبقية العالم العربي أنثى؟». هي تقصد طبعاً «مذكر» و«مؤنث». أما فوزي فيجيب في ناحية أخرى: «مصر أبو الذكورة»!
ترى، بماذا يفترض أن يجيب الضيف أمام أسئلة من نوع: لماذا لست من الصف الأول؟ لماذا لست الأعلى أجراً؟ أسئلة فارغة المضمون لكنها مضمونة الاستفزاز. والاستديو هنا يصبح حلبة رومانية لا يهتم جمهورها بمصير المتصارعين بقدر ما يهتم بالإثارة.