لم تكد تمضي أشهر على محاولات السلطة اللبنانية فرض رقابة على الإنترنت، حتى خرجت الحكومة الأردنية بمشروع قانون يحاصر العاملين في الشبكة العنكبوتية، بحجّة... «رفع سقف الحرية»!
عمّان ــ أحمد الزعتري
«الأخ الأكبر» يضرب من جديد في الأردن. هنا، وجدت محاولات قمع حرية الإنترنت من يشرّعها، ويصفها بـ«القوانين التي تعزّز المواطَنة، وترفع سقف الحريّة». بعدما أوعزت وزارة الداخليّة أخيراً لمقاهي الإنترنت بتسجيل بيانات المستخدمين، أصدرت الحكومة تعليمات بحجب 48 موقعاً إخباريّاً محليّاً عن الموظفين الرسميين بحجة «هدر الوقت العام». وقد دفع ذلك أصحاب المواقع إلى تأليف لجنة للتفاوض مع الحكومة. وأصدر هؤلاء بياناً هدّدوا فيه بالاحتجاب الطوعي، ووضع صورة رئيس الوزراء سمير الرفاعي على مواقعهم مرفقة بعبارة «عدو الحريات». كما أعلنوا عن نيتهم نقل المواقع إلى لبنان.
لم يقف الترهيب الفكري عند هذا الحدّ. قبل أيام، أقرّت رئاسة الوزراء «قانون جرائم أنظمة المعلومات المؤقّت» الذي يشبه مشروع قانون الإنترنت الذي جرى تداوله قبل فترة في لبنان (راجع «الأخبار» عدد 1142). هذا رغم عدم موافقة مجلس النواب المنحلّ وتوصيات مراكز الدفاع عن الحريات الصحافيّة العالميّة بالتراجع عنه، وحتى عدم دستوريّة بعض مواده.
إذاً تبدو الصورة قاتمة في بلد لطالما تغنّى بحريّته التي «يبلغ سقفها السماء». وهو البلد نفسه الذي دفع فيه التضييق على الصحف اليوميّة إلى توجّه الأردنيين إلى المواقع الإخباريّة الإلكترونيّة التي تراهن على الجرأة بسبب غياب الرقابة المسبقة.
ويقول مدير تحرير موقع «خبّرني» www.khaberni.com غيث العضايلة لـ«الأخبار»، إن «الحكومة لا تريد أن تسمع الأصوات التي تنتقدها». ويتحدّث عن الدور المتخاذل للصحف في تجاهل الحراك الاجتماعي السياسيّ الشعبي الذي نما أخيراً. إذ تبنّت معظم هذه المواقع حركات الاحتجاج العمّاليّة، ولعبت دور المراقب على الجسم الحكومي والنّواب، فتنتقد مباشرة رؤساء الحكومة والوزراء.
إلا أنّ العضايلة يعزو هذا التوجه الحكومي المعادي للحريات، إلى تاريخ عائلة الرفاعي «رئيس الوزراء الحالي سمير الرفاعي هو وريث تصرفات أسرة الرفاعي»، مذكّراً بجدّه سمير الرفاعي الذي «أسقطه مجلس النواب لعدائه للحريّات»، ووالده زيد الرفاعي الذي كان السبب في الحركة الاحتجاجية الشعبية التي سميّت بـ«هبّة نيسان» سنة 1989، «وبِرحيله، رحلت الأحكام العرفيّة».
أما أصداء قانون جرائم المعلومات الذي لا يزال يتنظر تصديق الملك عليه، فكانت أكثر حدّة. وما زاد الانتقاد، حجج الحكومة في إقناع الرأي العام بأن القانون «يرفع سقف الحريّات» بحسب وزير الاتصالات مروان جمعة! خبير قوانين المطبوعات والنشر يحيى شقير استغرب في تصريحه لـ«الأخبار» استعجال الحكومة في إصدار هذا القانون في صيغته الموقتة، بينما كان الأفضل انتظار انعقاد مجلس النواب. ويرى شقير أن صياغة القانون «لا تتوافق مع أصول التشريع الأردنيّة». وصرّح بأنّ الحكومة استعانت بمكتب محاماة خاص لصياغة القانون، ما يعدّه «إهانة للدولة» في ظل توافر خبراء قانونيين في الحكومة. ويشير شقير إلى بعض المصطلحات الفضفاضة في بعض المواد مثل «منافٍ للحياء»، و«ترويج أفكار إرهابيّة»، معتبراً أن القانون يزيد نسبة الرقابة الذاتية ويزرع الخوف في الصحافيين.

حجب 48 موقعاً إخباريّاً محليّاً بحجة «هدر الوقت العام»
وفي ظل ورود مواد في القانون تحدّ من حرية التعبير، مثل المادة 13ــــ أ التي تتيح تفتيش المكاتب التي تدير مواقع إلكترونيّة من دون تصريح المدعي العام، يدرس أصحاب المواقع إمكان تسجيل مواقعهم في لبنان لتجنُّب الضرر العام والشخصيّ، في ظل عقوبات تراوح بين السجن أسبوعاً إلى الأشغال الشاقة الموقتة مع تسديد غرامات كبيرة.
هذا التوجّه يعزّز فكرة سطحية الحريات في الأردن. على السطح، ينشط رئيس الحكومة وعدد من الوزراء على موقع «تويتر» كـ«بريستيج» اجتماعي، بينما تمارَس الضغوط على «المركز الوطني لحقوق الإنسان» الذي انتقد القانون بحدّة في البداية. ثم صدر تصريح للمركز أعلن فيه «تفهمه للقانون وضرورته» بحضور وزير الاتصالات والناطق باسم الحكومة. ثم سرعان ما طالب بلهجة مخفّفة تعديل بعض مواد القانون.
باختصار، يمكن القول إنّ الحصار الذي تحاول السلطات فرضه على الحريات الإعلامية خير دليل على أنه لا يزال أمام الأردنيين وقت طويل للتمتّع بإعلام حرّ يلعب دور المراقب. وبينما تُراقب الإيميلات والمحادثات الشخصيّة على الإنترنت، تتغاضى الجهات الرسميّة المرعوبة من الإنترنت، عن التطرّف اليمينيّ الذي بدأ يظهر على السطح: قبل أيّام، ظهر مذيع إذاعة محليّة ليشن حملة شتائم على محمد حسنين هيكل وعبد الباري عطوان وكل من «لا ينتمي إلى الأردن»، لأن من لا ينتمي إلى هذا البلد، «ما عنده شرف»!