صباح أيوبوبعدما عيّن رئيس الجمهورية مديراً جديداً للتلفزيون الرسمي، لم يتأخّر هذا الأخير في إقالة مديرة الأخبار في المحطة لأنها... لا تحظى برضى الحاكم! لم يصلنا هذا الخبر من إحدى ديكتاتوريات العالم الثالث بل من الجمهورية الفرنسية، «رسولة» الحرية والديموقراطية. إذاً، مرّة أخرى يعتدي الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على مبدأ الديموقراطية والتعدد الفكري والسياسي، فيُحكِم قبضته على الإعلام. «صيد الساحرات» الذي بدأه ساركوزي منذ الأيام الأولى لتسلّمه الحكم، لم ينتهِ بعد. ها هو الدور يصل إلى مديرة قسم الأخبار في القناة الفرنسية الثانية آرليت شابو. هذه الأخيرة، وبعد ستّ سنوات على تسلّمها إدارة الأخبار في إحدى قنوات التلفزيون الرسمي الفرنسي، خُيّرت أول من أمس بين منصبها ومهنتها، فاختارت المهنة. «المرأة الصارمة» كما يسمّيها زملاؤها اختارت أن تحتفظ فقط ببرنامجها السياسي على المحطة، منسحبةً من كل مسوؤليات التحرير وإدارة الأخبار في القناة. هكذا كانت شابو (59 سنة) أولى ضحايا رئيس «فرانس تلفزيون» الجديد تيري بفليملين، الذي تسلّم منصبه رسمياً أمس. والمعروف أنّ بفليملين هو ظلّ رئيس الجمهورية الحالي، إذ إن ساركوزي عيّنه أخيراً في خطوة مثّلت سابقة في تاريخ الإعلام الرسمي الفرنسي، حيث كانت المرة الأولى التي يسمّي فيها الرئيس مديراً بطريقة مباشرة.
ودخل بفليملين التلفزيون الرسمي بأمر رئاسي، شاهراً منذ اليوم الأول سيفه في وجه كل من سيعارضه، فجاءت الرسالة واضحة: لا مكان في التلفزيون لصحافيين يعارضون سياسة الرئيس، حتى لو كانوا يتبوّأون مناصب مهمة. وقد استرجع كلّ من سمع خبر إقالة شابو من منصبها أمس، الملاحظات الأخيرة التي وجّهها الرئيس ساركوزي إلى مديرة الأخبار السابقة حين لامها علناً على «عدم وجود برامج سياسية فعلية وقيّمة في المحطة». وكان ساركوزي قد وجّه في السابق انتقادات بالجملة بشأن إعطاء التلفزيون الرسمي مساحة أكبر للمعارضة منها للسلطة!
وتوقّف زملاء شابو في المهنة عند حدث الإقالة طارحين علامات استفهام حول استقلالية الإعلام الرسمي ومستقبل المهنة ومصيرها في فرنسا. وبدا الجميع مذهولاً من المستوى غير المسبوق الذي وصلت إليه التدخّلات الرئاسية في قطاع الإعلام. وحدها مجلة «ماريان» الفرنسية المعارضة وجدت توصيفاً لكل ما يحصل، فعنونت غلافها الأسبوع الماضي بعبارة: «نيكولا ساركوزي: وغد الجمهورية ــ Nicolas Sarkozy: le voyou de la république». وفي العدد نفسه فنّد أحد مؤسسي المجلة، وهو الصحافي والمعلّق السياسي جان فرانسوا كان، في مقالة افتتاحية الأسباب التي تجعل من رئيس الجمهورية الفرنسية «وغد».
ورأى كان في ساركوزي «حاكماً فاشياً نموذجياً منغمساً في الفساد ومتلاعباً بالقوانين، قد يفعل أيّ شيء مقابل الاحتفاظ بمنصبه وبالسلطة المطلقة، سلاحه الغطرسة والاستفزاز والديماغوجية...». وركّزت الافتتاحية أيضاً على خطورة سياسة ساركوزي التي «تزكّي الحس القومي العنصري الفوقي الرافض للآخر».
بعد هذه الافتتاحية، علت في فرنسا أصوات صحافية وقضائية وسياسية تصف كان بـ«وغد الصحافة»، وتدعوه إلى «التعقّل»، و«العودة إلى رشده»... أهلاً بكم في «جمهورية ساركوزي العظمى»!