يجرّب الروائي البريطاني في «الملك موت» شيئاً جديداً. هنا المساحة مفتوحة على التشويق وعلى كل الاحتمالات. قلب مرميّ على قرميد يجرّ الأحداث والشخصيات إلى ما لا نهاية

زياد عبد الله
كوميكو وسكيلتون في القطار. لقد رأيا للتوّ قلباً على سطح قرميد. القلب المنتزع لن ينبض مجدداً، وكوميكو من البداية تتمنى لو تروي قصتها باليابانية. لا شيء غريباً متى كان الحديث عن البريطاني توبي ليت (1968) وروايته الجديدة King Death (بينغوين ـــ لندن). هو كعادته لن يمهل القارئ، سيكون الحدث الذي يبدأ به متواصلاً إلى النهاية. ستتوالى الأحداث والشخصيات كما لو أنّنا في فيلم «أكشن»، وصولاً إلى حل لغز القلب وقد تكشّف عن ألغاز أخرى.
في روايته الأولى «بيتنيكس» (1997) نكون مع بوب ديلان في الفصل الأول، ثم نمسي فجأة في عام 1995 حيث نلاحق سرد ماري لحفلة تتعرف فيها إلى جاك ونيل. ونكون مع جيل «البيت» لكن في التسعينيات، جاك كيرواك ونيل كاسادي كأسماء مستعارة، وهما يتناوبان على ماري والتأمل البوذي وكتابة القصائد. ولأن رواية جاك كيرواك «على الطريق» تكون أنجيلهما، سيمضيان من بدفورد إلى برايتون بالسيارة... لكن أن تكون «هيبيز» في التسعينيات أمر محفوف بالمخاطر.
في «الملك موت»، المساحة مفتوحة للتشويق والدخول في أروقة مستشفى «غاي» وطلاب الطب في لندن، وتحول شخصيتي الرواية الرئيسيتين إلى محقّقين. مع اكتشاف قرب المستشفى من سطح القرميد حيث وجد القلب، ستمضي الرواية نحو أعمال التشريح التي يقوم بها طلاب الطب، وبين هؤلاء سنعرف ما المقصود بـ«الملك موت» المسمّى الخاص بأستاذ مادة التشريح. وتتحلق حول هذا القلب مصائر وشخصيات كثيرة، في سرد للحدث الواحد مرتين وبالتناوب بين كوميكو وسكيلتون.
حب وتشويق ومصائر متداخلة حول هذا القلب. تهجر كوميكو سكيلتون وتمضي للعيش مع طالبات كلية الطب، وهي متأكدة بأن الطالب بول وايت بريء من سرقة القلب. وعليه، تتوالى الشخصيات التي تحقّق معها كوميكو التي تكون فنانة يابانية شهيرة هربت من طوكيو إلى لندن، لأن لا أحد يعرفها في عاصمة الضباب. كما لو أنها توبي ليت نفسه الذي عاش لسنتين ونصف في براغ حيث لا مكان للغته للإنكليزية.
تحضر الموسيقى دوماً في روايات ليت. هو مهووس بها، وكل ما كان يتوق إليه أن يكون عازف غيتار. وحضور شخصية سكيلتون كعازف، أمر نشاهده في أغلب أعماله. سكيلتون الذي سيعمل حمّالاً في المستشفى ليكتشف لغز القلب، يفتح أمامنا عوالم أخرى في رواية تنتهي بحل أكثر من لغز.

كان يحلم بأن يكون عازف غيتار، لكن «ما من مساحة لمغنّ أصلع»!
عوالم توبي ليت مفتوحة على كل الاحتمالات. منذ مجموعته القصصية الأولى «مغامرات في الرأسمالية» (1996)، قدم نفسه كحيوان سرد لا يروّض. ومن القصة الأولى، نقع على شخصية تقرر ألا تفعل شيئاً إلا وفق ما تقوله الإعلانات، وصولاً إلى ذهابها إلى الصين لأنّ إعلاناً يقول ذلك، فتعلق هناك لأنها لم تعثر على إعلان يدعوها إلى العودة!
يريد توبي ليت الكتابة عن كل شيء: يمكن العصابات أن تستهويه كما في «أغاني الفتيان المتوفين» (2001)، ويمكن السينما أن تأخذه، فيجعل من السرد في «اكتشاف نفسي» (2003) تتبعاً للكاميرا. بل إن إصراره على أن يكون السرد بلسان امرأة مدهش دوماً، كما فعل في «بيتنيكس» حيث ماري تشاركنا أحاسيس استثنائية بين جاك ونيل: «أن أكون في السرير مع جسدين عاريين، لا جسد واحد، أمر شديد الغرابة. أشعر كما لو أن هناك الكثير من كل شيء، الكثير من الوزن، الكثير من اللحم، الكثير من الأفواه، الكثير من الخيارات. والأسوأ من كل ذلك أنّ علي دوماً أن أختار».
مملكة توبي ليت الروائية والقصصية تحوي 11 عملاً، هو الذي كان يحلم بأن يكون مهندساً معمارياً، أو عازف غيتار، لكن «ما من مساحة لمغنّ أصلع». بدأ بالشعر، ثم أراد كتابة قصصه بأسلوب فريد لم يجربه أحد قبلاً. لكنه سرعان ما اكتشف بطلان ذلك، فوضع ثقته بما يراه، وأصبح يكتب وفق إملاءات عينيه.