أسطوانة «كوبيّة» ثالثة من إنتاج ميشال ألفتريادس

بعد عقد على انطلاق تجربتها الـ«أرابو ــ كيوبن»، تستعيد المغنية اللبنانيّة مشاركاتها السابقة في مهرجانات بعلبك وبيت الدين، وتضيف إليها بعض الجديد... «طفلة زغيرة بهافانا» تؤدّي أغنيات مصريّة ولبنانيّة اكتست ثوباً إكزوتيكياً معولماً، واجتمعت في ألبوم جديد يطرح مسألة تحديث التراث من دون تشويهه أو تجريده من هويّته

هالة نهرا
صوتها معبر بين ثقافتين. خليط «العربي ـــــ الكوبي» طبع هويّتها الفنّية في عصر يقوم على الدمج الموسيقي والخفّة. الأغنيات المصريّة واللبنانيّة خصوصاً، تمتزج بالموسيقى الكوبيّة في ألبومها الأخير «حنين إي سون كوبانو ـــــ مهرجانات بعلبك وبيت الدين». المعدّ الموسيقي والمنتج ميشال ألفتريادس رسم هذا الخطّ الغنائي في مخيّلته الخصبة، قبل أن يلتقي ابنة عماطور (قضاء الشوف). هكذا، أصبح مولعاً بزجّ الأنغام والإيقاعات الكوبية في الأغنية اللبنانية والعربية منذ أن زار كوبا مطلع التسعينيات. حنين أبو شقرا حقَّقت أحد أحلامه، علماً بأنّ تجربتها لا تقتصر على الـ«أرابو ـــــ كيوبن»، بل تتعدّاه إلى الدمج بين الموسيقى الشرقية وأيّ موسيقى أخرى (يوغوسلافية، لاتينية، فلامنكو...)
شغف ألفتريادس بالدمج تبدّى أيضاً في تجاربه مع وديع الصافي وخوسيه فرنانديز، والأخوين شحادة، وطوني حنّا. اعتمد في ذلك على التركيب والتوليف وإعادة التوزيع، وتَلاقُح الأفكار الموسيقية. المراهنة والمجازفة حتميّتان بالنسبة إلى منتج يرقب الأغنية المعاصرة بمنظار تسويقيّ لا يخلو من الحذق والطرافة. ألبوم حنين الأخير يثبت ذلك، إذ يُلبس ألفتريادس الموروث الشفهيّ اللبناني ثوباً عصريّاً معولماً وإكزوتيكيّاً، من دون أن يجرّده من خصوصيّته. بذلك يمكن نظريّاً تحديث التراث والفولكلور وتقديمهما إلى الجيل الجديد. وهذه المعادلة الموسيقية تحتاج إلى عبقرية مؤلّف، لا إلى منتج فقط.
إلى جانب عشر أغنيات لبنانية واثنتين من إعداد ألفتريادس، يضمّ الألبوم توليفة أغانٍ مصرية، مثل «أهواك» (عبد الحليم حافظ، ألحان محمّد عبد الوهاب)، و«ليالي الأنس في فيينا» و«نويت أداري آلامي» (أسمهان، ألحان فريد الأطرش). أمّا الأغنيات اللبنانية التراثية، فاستُلّت من مسرحية «رحلة الأغاني الأربع» لألفتريادس (مهرجانات بعلبك، 2004). «الروزانا» و«الهوّارة» و«الدلعونا»، انحرفت عن وجهاتها المقامية، فبدت مختلفة تماماً عن صيغها المألوفة. ولا بدّ ـــــ في هذا الإطار ـــــ من استحضار تجارب مماثلة، وإن كانت أكثر سطوعاً واحترافاً: «الدلعونا» بتوزيع زياد الرحباني، و«الروزانا» بتوزيع شربل روحانا، مثلاً. «الروزانا» تدثّرت بمقام العجم والسالسا الكوبية. «عَ الروزانا/ طفلة زغيرة بهافانا/ ضيعة سِتّا شمالية/ وجِدّا من حمّانا».
الكلمات الجديدة عن الحنين في «بلاد الغربة» لا تحاكي الأغنية الشعبية المحبّبة، ولا تهدف إلّا إلى تأكيد هوية المشروع. أمّا «الهوّارة» (مقام السيكا)، فالتحفت بالحجاز، فيما بقيت «الدلعونا» على حالها (بياتي). توزيع «نقّيلي أحلى زهرة» و«يا لا لاه» (زكي ناصيف)، اقتصر على لزوم ما يلزم، مقارنة ببضع أغنيات أثقلت الألبوم من فرط ما نُمّقت بالآلات. أمّا الأغنيات الجديدة، فتعكس رغبة في التعاون مع عدد من الملحّنين اللبنانيين. أغنية «راحوا» (شعر رياض نجمة، وألحان سمير صفير)، لم تتداخل مع نسيج الأسطوانة، واتخذت منحى رومانسيّاً رائجاً وراقياً. فيما أتت «لمّا عَ طريق العين» (صباح) بحلّتها الجديدة في إطار مشروع استهلاكي و«خفيف الظلّ»، كنموذج غنائي وموسيقيّ متقن. أمّا «على ناري» (كلمات طوني أبي كرم، وألحان نور الملاح)، فتكشف عن ميل إلى الجملة الإيقاعية التكرارية، مع إشارة إلى أنّ الإيقاع الراقص يطغى على جميع الأغنيات المذكورة.

مشروع العصرنة هل يسوّغ إبدال المقامات وتحوير مقاطع من الأغنيات التراثية؟
«الدمج ليس إضافة. إنّه متعة ومزاج قبل أيّ شيء»، تقول حنين. «في زمن الشرخ بين القديم والجديد، لا بدّ من إحياء التراث وعصرنته». لكن هل يسوّغ مشروع عصرنة التراث إبدال المقامات وتحوير مقاطع من الأغنيات التراثية؟ «سيقول بعض النقّاد إنَّ عملنا تجاريّ لأنّنا (ميشال أنا) بعيدان عن الادّعاء الفنّي والحذلقة»، تقول حنين. وتضيف: «تطعيم الأغنيات اللبنانية والعربية بالبوسا نوفا والكومبيا والمِرنغيه merengue، لم يكن سهلاً. تناقشتُ مع أعضاء الفرقة وميشال لأنّ المشروع حسّاس، وعلينا الحفاظ على اللونين اللبناني والكوبي، ودمجهما في الوقت نفسه».
الأنماط الموسيقية الممتزجة تبدو متجانسة حيناً، ومتنافرة حيناً آخر. ظهر ذلك منذ أن أطلقت حنين باكورتها «أرابو ـــــ كيوبن» (2001). تعاونت مع عازفين كوبيين هم متخرّجو «المعهد العالي للموسيقى في هافانا»، وملمّون بكلّ الأنواع الموسيقية الكوبية («بوليرو» و«سالسا فويرتي» و«سون» و«أفرو ـــــ كيوبن»). لكنّ اللافت هو عدم الإتيان على ذكر أسمائهم وآلاتهم على الغلاف، باستثناء خوسيه رامون نونييز.
في عام 2004، أصدرت حنين أسطوانة «10908 كلم» (وهي المسافة بين بيروت وهافانا)، بعدما حقّقت باكورتها «أفضل المبيعات في الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية»، على حدّ تعبير ألفتريادس. أما حنين فتعلن بثقة وبساطة: «أغنّي لأنّني معجبة بصوتي، وتدلّ أغنياتي على «جدّيتي والتزامي في عصر فنّي متطلّب». ألبومها الجديد «حنين إي سون كوبانو ـــــ مهرجانات بعلبك وبيت الدين» يحيلنا إلى سؤال عن مدى إمكان تطوير التراث من دون تشويهه أو تجريده من هويّته. مع أنّ بعض الأغنيات تصبّ في مجرى الدمج، إلّا أنّ التجربة، عموماً، تبدو معرّضة دائماً لمطبّات