بعدما صوّرت المغرب موطناً للفساد والسحر والرشوى والسياحة الجنسية، تواجه السلسلة الكرتونية الكويتية موجة انتقادات عارمة تتهمها بالإساءة إلى المغرب و... نسائه!
مراكش ــ ياسين عدنان
تُعتبر عادةُ انتقاد السيتكومات الرمضانية أحد ثوابت رمضان في المغرب. والحقيقة أن عدداً من إنتاجات رمضان الكوميدية توفر للصفحات الفنية والتلفزيونية المغربية ما يغري أكثر الأقلام دماثة وتحفظاً باستعمال أشد المفردات حرارة في نقدها لهذه الأعمال. لكن هذه السنة، حدث انفراج لم يكن في الحسبان. طبعاً لا يعود ذلك إلى تحسن مستوى فكاهة رمضان التي لم تكن هذا العام أفضل حالاً من السنوات السابقة حسب أغلب الصحف المغربية، بل إثر مفاجأة غير متوقعة جاءت من الكويت.
مفاجأة جعلت الصحافة المغربية والرأي العام يصبّان جام غضبهما على سلسلة «بوقتادة وبونبيل» الكرتونية التي اختارت طريق الهجاء السياسي.
هكذا بعدما اختار أبطال السلسلة، التي تبثها قناة «الوطن» الكويتية يومياً خلال شهر الصوم، السفر إلى المغرب، خصصت القناة لهذه الرحلة الميمونة ثلاث حلقات متتالية تحت العناوين التالية: «مزيان بزاف»، و«الحرامي ما يموتشي» ثم «فتح الأندلس»، وهي الحلقات التي جاءت مليئة بالغمز واللمز ومشحونة بالكليشيهات والصور النمطية. منذ وصول الأبطال إلى المطار، قدمت السلسلة المواطن المغربي في صورة العنصري المرتشي من خلال رجل شرطة عنصري يكره ذوي البشرة السوداء لكنه يتخلى عن عنصريته ويتحول إلى خدمة «الإخوة الخليجيين» طمعاً في مالهم، لكنه لا يقدم أي خدمة مهما صغر شأنها إلا بعد حصوله على رشوى مالية.
اعتذر صنّاع السلسلة عن الحلقات المسيئة، مؤكدين أنّهم لم يقصدوا إهانة المغربيين
وإذا كان بوقتادة قد اختار عبور المضيق باتجاه الأندلس من أجل استرجاعها، فإن اثنين من رفاقه اكتشفا أن «الجهاد في أكادير» هو الجهاد الحقيقي. لذا ذهبا إلى هناك حيث وجدا فتاتين مغربيتين جميلتين بانتظارهما في المطار. ولن تتردد الصبيتان في استضافة «المجاهدَين» الكويتيين في بيت الأسرة بترحيب من الأم التي حرصت على مزج قهوة الضيفين بمادة «سحرية» جعلتهما يتعلقان أكثر بالبنتين ويستعجلان الزواج منهما. وهنا تستقدم الأم بسرعة فقيهاً متواطئاً لكتابة عقد الزواج الذي كاد أن يتم لولا التدخل الحاسم لزوجة أحد الضيفين التي اقتحمت المكان في الوقت المناسب لتُبطل الكيد النسائي المغربي وتصرخ في وجه البنتين وأمهما: «أليس لديكن رجال مغاربة يأخذون المغربيات؟ ليش بتدوروا على رجالاتنا؟»! ولم يقف التصويب على النساء المغربيات عند هذا الحدّ بل يظهر بونبيل رجل الأعمال الشاطر الذي بقي في الدار البيضاء ليقتني عقاراً هناك، وهو يحاور البائع ويفاوضه على العقار. لكن البائع يطلب حضور أخته لعملية البيع هذه بما أنها المالكة الحقيقة للعقار، فتتدخّل زوجة بونبيل لتوقف «المهزلة».
هكذا يتبيّن أن كل حضور للمرأة المغربية هو بالضرورة موضع شبهة في هذه السلسلة التي وجد كثيرون أنها أساءت إساءة غير مقبولة للمغرب، فقدمت هذا البلد العربي كملهى ليلي كبير وكمجال خصب للفساد والسحر والرشوة والسياحة الجنسية.
وإذا كان المغاربة قد اعتادوا الاحتكام لـ«الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري» عند أي تجاوز من الإذاعات والقنوات التلفزيونية المحلية، إلا أن غياب إطار تحكيمي مماثل على المستوى العربي، جعل الصحافة المحلية تضغط على الحكومة من أجل اتخاذ موقف واضح يعيد الاعتبار إلى سمعة البلد وكرامة نسائه.
وفعلاً فقد أكد وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة خالد الناصري أن الموضوع ذات أهمية، لا سيما أنّ الحكومة لن تستخف به، مضيفاً أنّ «الحكومة المغربية لن تسكت وستتحرك في الوقت المناسب». وهو ما حصل الأحد الماضي بعدما قدّم المغرب احتجاجاً رسمياً إلى دولة الكويت أكد فيه أن ما بثّته قناة «الوطن» «يحمل إساءة كبيرة لتاريخ المغرب وثقافته وينال من كرامة المرأة المغربية».
وطبعاً، لم يتأخر الرد الكويتي. إذ أكّد رئيس مجلس إدارة تلفزيون «الوطن» وليد جاسم الجاسم أن «دار الوطن» تكن كل الاحترام والمحبة للمغرب وشعبه، وخصوصاً أن الكويتيين «لا يمكنهم أن ينسوا المواقف التاريخية للمغرب تجاه الكويت»، في إشارة إلى دعم المغرب للكويت سياسياً وعسكرياً إثر الاجتياح سنة 1990. ولكن الجاسم عاد ليؤكّد أن قناة «الوطن» لن توقف عرض السلسلة، وستكتفي بالاعتذار الرسمي. ولم ينف إمكانية تعرضّ المحطة لمساءلة القانونية داخل الكويت.
وبدورها، أعربت الخارجية الكويتية عن «أسفها الشديد لما تضمّنه ذلك البرنامج من إساءات للأشقاء في المملكة المغربية». فيما استُهلّت حلقة «تصدير الثورة» التي بُثّت أخيراً باعتذار جاء فيه: «حاول البعض إعطاء تفسيرات من خيالهم وأوهامهم لحلقة الأندلس وغيرها من الحلقات، وهي تفسيرات بعيدة عن الواقع ولم تخطر على بال كتاب حلقات يوميات «بوقتادة وبونبيل». أما عن الإخوة الأعزاء في المغرب الشقيقة، فنؤكد ونعيد أننا لا نكن لهم إلا كل محبة وتقدير واعتزاز».
يذكر أن السلسلة التي ابتكرها الرسام الكويتي محمد ثلاب قد تَواصل تقديمها على صفحات جريدة «الوطن» الكويتية منذ 2005 قبل أن تُنقل إلى شاشة التلفزيون.


قرصنة واستياء

لم تقتصر ردود الفعل المغربية الغاضبة على الحكومة فحسب، بل بادر قرصان مغربي أطلق على نفسه اسم Moroccan Napst3r إلى اختراق موقع الديوان الأميري لدولة الكويت وغيّر محتويات صفحة استقبال الموقع برسالة أكد فيها أنه مُكره لا بطل في ما قام به. وأضاف الهاكر المغربي أن سبب غارته الإلكترونية هو «المهزلة التي تعرضونها على شاشاتكم والمسماة «بوقتادة وبونبيل»». قبل أن يضيف عبارات جارحة في حق الشعب الكويتي. ويبدو أن غارة القرصان جاءت تتويجاً لسبع حملات شارك فيها مئات من الشباب المغاربة على موقع «فايسبوك» نددوا فيها بالسلسلة الكرتونية.