القاهرة | يصر الإعلام المصري على البقاء في المستنقع، لا يحاول إنقاذ نفسه من المتاهة التي دخلها منذ فترة بعيدة، بل يتمسّك بأن يكون لسان السلطة لا عينها. قضية اللاجئين السوريين التي تشغل الإعلام في كل الدنيا حالياً، مرت مرور الكرام في الإعلام المصري، إلا عندما ظهرت صورة الطفل الغريق إيلان كردي على شواطئ تركيا. أعدّ الإعلاميون «دخلات نارية» للتعليق على صورة الطفل، مع تخويف الشعب المصري من المصير ذاته لو تخلى الرئيس عبد الفتاح السيسي عن الحكم، أو لو فكر الشعب في الثورة مرة أخرى.
واستخدموا القضية للهجوم على الجماعات التكفيرية والجهادية، وجماعة الإخوان المسلمين.
بشكل عام، تعامل الإعلام المصري مع القضية باعتباره لا دخل له بها، وتناول أخبار اللاجئين السوريين في أوروبا من منطق شكر القارة العجوز على استقبالها اللاجئين من دون أن يجيب أحد عن السؤال المهم: لماذا قرر هؤلاء اللاجئون اللجوء إلى الغرب بينما الحدود العربية أقرب كثيراً؟
مع انتشار صورة الطفل الغريق، خرج أحمد موسى المذيع المعروف بعلاقته القوية بالنظام الحاكم في برنامجه «على مسؤوليتي» (قناة «صدى البلد»)، وخوّف المصريين من المصير ذاته، مهاجماً دعوات نقابات مهنية للتظاهر في 12 أيلول (سبتمبر) ضد قانون الخدمة المدنية. واعتبر كل من يشارك في التظاهرة يخطط للمصير السوري نفسه. وقال: «لولا الجيش المصري، كنتوا هتشوفوا نفسكوا كده، وعيال كده متشرد ومتبهدل كده (يتحدث عن لقطات مصورة لعدد من اللاجئين يمتطون زورقاً في البحر)».

تخويف الشعب المصري من المصير ذاته لو تخلّى السيسي عن الحكم

على هذا النسق، سار أغلب مقدمي البرامج الحوارية في تلك الليلة، ولم يلتفتوا إلى الأوضاع السيئة التي يعانيها اللاجئون السوريون على الأراضي المصرية، واحتجاز بعضهم تمهيداً لترحيلهم إلى سوريا مرة أخرى. وتتخذ غالبية الفضائيات موقفاً عدائياً من اللاجئين في مصر، تأكيداً أنّ مصر للمصريين فقط، وأنّ هذا اللاجئ يزاحم المصريين في «أكل عيشهم» ونشرت تلك الثقافة بين مشاهديها. وفي 2013، شهد الإعلام المصري هجوماً كاسحاً على اللاجئين السوريين بدعوى مشاركتهم في تظاهرات جماعة الإخوان المسلمين، ومشاركتهم في أعمال عنف تدعو لها الجماعة مقابل مال. وفي تلك الفترة أيضاً، خرج الإعلامي توفيق عكاشة مباشرة على هواء فضائيته «الفراعين»، مهدداً اللاجئين السوريين صراحة «بالحرق». ولعل الإعلامي المتوقف عن العمل حالياً يسري فودة، هو الوحيد الذي حاول إنصاف اللاجئين السوريين في مصر، وأعد فقرات عن أوضاعهم أذاعها على قناة «أون. تي. في». وبعده، لم يحاول أي من الإعلاميين التطرق إلى هذا الملف المهم على المستوى الإنساني على الأقل.
ما حدث في ملف اللاجئين السوريين يذكّر بموقف الإعلام المصري من القضية الفلسطينية عموماً، والتحوّلات التي شهدتها هذه العلاقة، إذ جرت أبلسة شعب بأكمله بسبب ممارسات هذا الفصيل أو ذاك.