رجل وامرأة في مطار فنلندي، ومعهما مظلة ودراجة وحقيبة وكتب... وآلة خياطة. خرافة معاصرة بطلاها عابرا سبيل، يقدّمها وحيد العجمي ويارا أبو حيدر، برفقة الرحابنة والسي الهادي الجويني
سناء الخوري
«شخصيات عاديّة في موقف غير عادي»، بهذه الكلمات يلخّص وحيد العجمي حبكة «ينعاد عليك». المخرج التونسي في هذا العرض يتشارك مع الممثلة اللبنانية يارا أبو حيدر في بناء خرافة معاصرة... بطلاها عابرا سبيل. إلى خشبة «مسرح بيروت»، يحمل الفنانان المسرحيان خلاصة ورشة كتابة، جمعتهما بين بيروت وتونس خلال العام الماضي... النص كتباه ويؤديانه معاً، فيما يتولّى عجمي مهمّة إخراجه.
في فضاء أحد مطارات فنلندا، تلتقي لينا ومنصور. شخصيتان عاديتان، من «دون عوارض هستيريا أو تأزّم»، تقول يارا. هي خيّاطة شعارات سياسيّة من لبنان، وهو عالم آثار من تونس. في لوحات مسرحيّة متتالية تتغيّر فيها معايير الزمان والمكان، سنرى ماضي هاتين الشخصيتين يتكوّن أمامنا. في البداية يظهر الرجل والمرأة في غرفة انتظار في مطار هلسنكي. الزمان أيلول/ سبتمبر 2010. في اللوحة التالية نعود إلى تظاهرة في مناسبة يوم الأرض في أحد شوارع فنلندا. الزمان قبل أربع سنوات. هكذا تتعاقب عناصر الحكاية، لنكتشف أنّ الاثنين لم يلتقيا في قاعة الانتظار تلك مصادفةً، بل هما زوجان افترقا قبل سنوات. وها هما يعودان إلى بلد غربتهما المشتركة، في مناسبة عيد ميلاد ابنهما الذي تركاه طفلاً عند عائلة غريبة. هي أرادت العودة إلى بلادها لزيارة والدتها المريضة، وهو أيضاً أراد العودة إلى بلاده ليأخذ إجازة غير مدفوعة من عمله... عودة «موقتة» امتدّت أربع سنوات.
بين الأزمنة والأمكنة المختلفة، يتنقّل المؤديان بخفّة. هو يحمل دراجة هوائية هدية للطفل، وكتباً، وهي مظلة شفافة، وحقيبة سفر، وثياب خاطتها لابنها. في كلّ محطّة يرافقهما صوت نداء المسافرين في المطار (الصوت الخارجي من أداء كارول عبود). وفي نبرة تشوبها صيغة الأمر، يأمرهما بالعودة إلى أمكانهما الحميمة، إلى الصالون، والمطبخ، وغرفة النوم، إلى الدار التي شيّداها معاً.
«بنينا النص على فكرة عابري السبيل»، يقول عجمي. «في المطارات، ومحطات القطار، والشوارع، قد نلتقي أناساً، نصادقهم في لحظة اللقاء تلك، ولا تلبث تلك الصداقة أن تتلاشى. إشكاليّة المسرحيّة أنّ أقرب الناس إلينا يمكن في لحظة ما أن يتحوّل إلى مجرّد عابر سبيل في حياتنا». بين ثنائيات الظهور والامّحاء، الحميمية والغربة، الاستقرار والتشرّد، تدخل الشخصيتان في دوامة من التشتّت. تصبح حالة الضياع والافتراق الثنائية، لعبة مصغرة عن حالة عامّة. الاشتياق إلى الابن يكون مبرراً لسرد انسحاقات سياسيّة واجتماعيّة وعاطفيّة وفرديّة. في هذا الإطار، يتخذ النص نبرة ساخرة. عبثيّة الشخصيتين وبساطتهما تزيدان من جرعة الهزء فيه، ومن جرعة الألم في الوقت عينه. كلّ هذا يجسّده الإخراج من خلال التركيز على مفهوم الفراغ. لا أحد على المسرح إلّا رجل وامرأة، يظهران ويختفيان، ومعهما المظلة والدراجة والحقيبة والكتب... وآلة الخياطة. هكذا، على أنغام «حبي يتبدّل يتجدّد» للهادي الجويني، وأغنية «لينا ويا لينا» للأخوين الرحباني، تبني لينا ومنصور لقاءات وهميّة... كأنّ اللقاء بكلّ أشكاله أصبح مستحيلاً.

9:00 مساء اليوم حتّى 9 أيلول (سبتمبر) الحالي ـــــ «مسرح بيروت» (عين المريسة). للاستعلام: 01/363328