بعد أسبوع من التوقيف، أُخلي سبيل الشبان الثلاثة المتَّهمين بـ«شتم» رئيس الجمهورية ميشال سليمان. وفتحت هذه القضية ملف حرية التعبير من جديد، فيما انطلقت المجموعات التضامنية مع «موقوفي فايسبوك»
ليال حداد
هل انتهى شهر العسل بين الحريات الإعلامية والدولة اللبنانية؟ ومن يضمن بعد اليوم حقّ المواطن في التعبير عن رأيه؟ ثمّ من يحدّد الخطوط الحمراء الممنوع تجاوزها؟ وهل يجب إقرار قانون ينظّم العمل على الإنترنت؟ أم أن ذلك سيعدّ أحد القيود الإضافية المفروضة على حرية التعبير؟ أسئلة كثيرة ترتسم مع إخلاء سبيل «موقوفي فايسبوك» الثلاثة أمس، بعد حوالى أسبوع على توقيفهم.
تفاوتت الآراء في ما يخصّ هذه القضية: بعضهم رأى أن الشباب نالوا عقابهم المحقّ بسبب تعرّضهم لرئيس الجمهورية «بالقدح والذم والشتائم». أما البعض الآخر فيرى أن ما حصل كان سابقة تبشّر بمستقبل أسود. وذهب بعض المتشائمين إلى تشبيه اعتقال الشباب بما حصل عقب «الثورة الخضراء» في إيران، حين دخلت السلطة إلى مواقع الإنترنت، وخصوصاً «تويتر» و«فايسبوك»، وبدأت باعتقال الناشطين الإلكترونيين المعارضين.
طبعاً، لا يزال الوضع في لبنان أفضل من دول الجوار. لكنّ عوامل عدة تنذر بمستقبل ضبابي: أوّلها كان تحذير استخبارات الجيش المدوّن خضر سلامة من التعرّض لرئيس الجمهورية ميشال سليمان مرة جديدة على مدوّنته. بعدها، استُدعي أحد الناشطين القواتيين في الشمال، ويدعى ماريو م.، للتحقيق بسبب مقالة كتبها على «فايسبوك». وأخيراً جاء توقيف الشباب نعيم ح. (1983)، وأنطوان ر. (1981)، وشبل ق. (1983)، ليزيد الطين بلة، ويجعل الهمس عن كمّ الأفواه المعارضة و«المشاغبة»، حديثاً علنياً.
لكنّ الوضع على الأرض يبدو أكثر تعقيداً من كل ما سبق، إذ يتّهم مصدر في «التيار الوطني الحرّ» بعض السياسيين بمحاولة التضييق على العونيين وعلى وسائل إعلامهم، «أولاً قضية أنطون الصحناوي ضدّ OTV، ثمّ اعتقال ثلاثة شباب مناصرين للتيار على «فايسبوك»... «كل ذلك يشير إلى خطة معيّنة للتضييق علينا». ويرى المصدر أنّ الأمر لن يقتصر فقط على وسائل الإعلام العونية «بل الدور آتٍ على كل الإعلام، إذ إن من يقوم بهذه التجاوزات ليس من طرف سياسي معيّن. هناك في الموالاة والمعارضة (سابقاً) مَن يسعى إلى كمّ أفواه الإعلاميين». ويتساءل المصدر عن سبب السرعة في بتّ القضايا المرفوعة ضدّ «التيار»، «فيما يتباطأ القضاء في كل القضايا الأخرى... وهو الأمر الذي يطرح علامات استفهام عدة».
لا يختلف رأي الشباب المتهمين بـ«القدح والذم»، إذ يقول أنطوان ر. لـ«الأخبار» إنّ القاسم المشترك بين المعتقلين الثلاثة «هو أننا مناصرون للتيار». لا ينسى أنطوان أن يشكر رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي استقبل أهالي الموقوفين صباح أمس. لكنّه يعود ليقول: «لم نرتكب جريمة، بل عبّرنا عن رأينا السياسي. وعكس ما يشاع، نحن لم نهاجم مقام الرئاسة، ولم نهاجم الرئيس شخصياً، بل كنّا نتناقش في السياسة». وهل يعيد الكرّة مرة أخرى؟ يكتفي بالقول «أنا مع حرية التعبير في لبنان».
من جهته، يؤكّد نعيم ح. أن معنوياته ظلّت مرتفعة حتى في السجن، «حرية الرأي والتعبير حق منحني إياه الدستور اللبناني. وبالتالي، سأحافظ على هذا الحق». ويؤكّد نعيم أنّه لم يشتُم رئيس الجمهورية، بل انتقد بعض التدخلات التي حصلت في انتخابات جبيل البلدية، «كتبتُ على الموقع إن بعض أقارب الرئيس يرتكبون تجاوزات باسمه». وماذا عن المعاملة داخل السجن؟ يضحك نعيم ويقول إن المعاملة كانت ممتازة، باستثناء «بعض القواتيين المسجونين الذين حاولوا استفزازي».
إذاً خرج الشباب الثلاثة، لكنّ إخلاء السبيل لا يعني البراءة،

شبّه بعضهم توقيف الشباب بما حصل في إيران إبّان «الثورة الخضراء»
أقلّه بالنسبة إلى القضاء. حيث يشرح أحد وكلاء الموقوفين، المحامي جيلبير سلامة، لـ«الأخبار» أنّه «ينتظر قرار القضاء النهائي، لأن ما حصل اليوم كان إخلاء سبيل مقابل كفالة قدرها مئة ألف ليرة عن كل موقوف». وأمام القضاء الآن خياران: إما أنّ يمنع المحاكمة عنهم، وبالتالي إقفال الملف، وإما أن يدّعي عليهم ويحيلهم على المحاكمة. وقد يصدر في الحالة الثانية حكماً بتجريمهم وبالتالي بالسجن.
ورغم إخلاء السبيل، يبدو أنّ محامي الشباب الثلاثة معترضون على توقيف موكليهم بالاستناد إلى المواد 384، و386، و388 من قانون العقوبات، هذه المواد التي تجرّم القدح والذمّ، في الوسائل الإعلامية المنصوص عليها في المادة 209 من القانون نفسه. لكنّ الشبكة العنكبوتية غير مذكورة في هذه المادة. هكذا يقول المحامون إنه لا قانون ينظّم عمل الإنترنت في لبنان، وبالتالي يبقى الاستناد إلى أي قانون آخر خياراً مطّاطاً وغير صحيح.
من جهة ثانية، ترى مصادر قضائية أخرى أن المادة 209 من قانون العقوبات تنطبق على الإنترنت، بما أنها تشمل «الأعمال والحركات إذا حصلت في محل عام، أو مكان مباح للجمهور». وفي رأي هذه المصادر، فإنّ الإنترنت محل عام. وبين هذا الرأي وذاك، يبقى الشباب الثلاثة بانتظار الأيام المقبلة التي يتمنون أن تحمل لهم حكم البراءة.


تضامن إلكتروني

أنشئت أكثر من مجموعة على موقع «فايسبوك» تضامناً مع الشباب الثلاثة الموقوفين. وأبرز هذه المجموعات «لا لحكم الديناصورات: كي لا يتحوّل لبنان إلى سجن عربي جديد». وقد انضمّ إلى هذه المجموعة أكثر من 400 عضو في أيام قليلة. أما المجموعة الثانية فهي: «حملة اشتم ولا يهمّك... لا للنظام الديكتاتوري اللبناني القامع للحريات»، ووصل عدد أعضائها إلى 600 عضو. وفي المجموعتَين، عبّر الأعضاء عن خشيتهم من تحوّل لبنان إلى سجن كبير للحريات. وقد وُثّقت كل الحالات التي عملت فيها السلطات الأمنية والسياسية على التضييق على الناشطين الإلكترونيين.