بيار أبي صعبأطلقه مارسيل كارنيه في الثالثة والعشرين، مع فيلم «النصّابون» (١٩٥٨). ومثّل في إدارة سينمائيين مثل غودار وبازوليني وبونويل وكلوزو... كان في وسعه أن يدخل النجوميّة من بابها العريض، وأن يصبح فتى الشاشة الأوّل. لكنّ لوران تيرزييف، الذي انطفأ يوم الجمعة في أحد مستشفيات باريس بعد أن خانته رئتاه، فضّل أن يكون ناسك المسرح. اعتنقه فلسفة حياة، ممثلاً ومخرجاً ومقتبساً، فقدّم في فرنسا كتّاباً عالميين مثل سلاموفار مروجيك وإدوارد ألبي. ومَسْرَحَ الشعر كما لم يفعل سواه مع ريلكه وآخرين، واختصر نظرته كالآتي: «حيثما الشعر يكون المسرح».
لوران تيرزييف (١٩٣٥ ـــــ ٢٠١٠) صاحب القامة الطويلة والنحيلة، والوجه الحاد الملامح، والصوت الرخيم، والنظرة الرومنطيقيّة، والهالة الغريبة، ذلك الراديكالي الخجول الذي اقترنت حياته بالمسرح على امتداد نصف قرن، جاء إلى التمثيل عن طريق التجربة الميدانيّة، بعدما قام بأعمال تقنية مختلفة في الكواليس. كان لوران تشيرميرزين (اسمه الأصلي) طفلاً، عندما وصل

اختصر نظرته كالآتي: «حيثما الشعر يكون المسرح»
إلى فرنسا مع والديه الروسيين (نحّات وفنانة سيراميك)، محتفظاً بصور الحرب الفظيعة. اهتمّ بالشعر والفلسفة، لكنّ حياته تغيّرت حين شاهد، مراهقاً، مسرحيّة ستريندبرغ «سوناته الأشباح» (١٩٤٩)، من إخراج روجيه بلان الذي سيصبح لاحقاً أستاذه الروحي. بدأ مشواره على الخشبة مع جان ـــــ ماري سيرو، في مسرحيّة أداموف «الجميع ضدّ الجميع» (١٩٥٣). كذلك تأثّر بأسلوب تانيا بالاشوفا من دون أن ينخرط في محترفه.
منذ تأسيس الفرقة التي حملت اسمه (١٩٦١)، قدّم (ممثلاً ومخرجاً) أعمالاً منوّعة جعلت منه أسطورة المسرح الفرنسي. مثّل في إدارة روجيه بلان وجان ـــــ لوي بارو وروجيه بلانشون وبوب ويلسون... وقدّم نصوص ابسن وبيرنديللو وكلوديل وميلوش وبريخت وأونيل... هذا العصامي المستقل الذي جمع بين القطاع الخاص ومسرح الدولة، وتميّز أداؤه بحساسية عالية لا تخضع للموضة، هو من موقّعي «بيان الـ١٢١» الشهير ضدّ حرب الجزائر (١٩٦٠). وقد لفت الأنظار، في عام ٢٠٠٢، بموقفه المعارض للحرب على العراق. الرجل الذي كان يحيي الكلمات، عاش ليكون الشاهد الملك على وجع العالم، وليعالجه عبر المرآة المزدوجة التي اسمها المسرح.