قبل شهر، أُطلقت النسخة القطرية من الجريدة السعودية. لكن عكس المتوقّع، لم تخصّص الصحيفة مساحةً كبيرة للحديث عن الشؤون القطرية. مع ذلك، نجحت في استقطاب المعلنين في وقت اضطرّت «الجزيرة» لخفض 20 في المئة من نفقاتها بسبب الأزمة المالية العالمية
الياس مهدي
منذ أول يوم لصدورها في قطر قبل شهر تقريباً، قطفت صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية سريعاً ثمار الإعلانات التي تتكدس على صفحاتها. لكنّ الجريدة لم تقدِّم حتى الآن أي إضافة لافتة إلى الساحة الإعلامية المحليّة التي تتنافس عليها أربع صحف. والمعروف أنّ هذه الأخيرة تشكو من قلّة القراء، وتراجع الإعلانات، وخصوصاً في ظلّ الأزمة المالية العالمية. إذاً في 7 حزيران (يونيو) الماضي، أُعلن في احتفال حضره وزير الثقافة والفنون القطري حمد بن عبد العزيز الكواري، عن إطلاق النسخة القطرية من «الشرق الأوسط». ورأى بعضهم أن هذا الحضور ما هو إلا دليل على عودة «المتانة» إلى العلاقات السعودية ــــ القطرية.
منذ هذا الإعلان، بدأت تثار علامات استفهام وتعليقات «غير معلنة» طرحها إعلاميّون في صحف محلية. إذ أعرب هؤلاء عن استغرابهم لما وصفوه بـ«سيل الإعلانات» الضخمة التي حظيت بها «الشرق الأوسط» في عددها الأوّل.
اللافت أنّ كل الشركات القطرية ــــ حكوميةً وخاصةً ــــ قدّمت «صفقات إعلانية» لـ«الشرق الأوسط» رغم أن المواد المنشورة لم تتضمّن أي موضوع محلي. وعادة ما تبرّر شركات الإعلان وضعها إعلانات في صحيفة دون أخرى، بأنّها تعتمد معيارَين هما: سعة الانتشار وإيلاء مساحةً للشأن القطري في الجريدة! في هذا الإطار، يرى بعض المتابعين أن توزيع الإعلانات لا يتحكّم فيه بالضرورة الأداء المهني للصحيفة، بقدر ما هو محكوم بالعلاقات الشخصية المباشرة بين مسؤولي الصحف وأصحاب الشركات.
إذاً، بدت الدهشة على كل العاملين في الصحافة القطرية بسبب كمية الإعلانات المتدفقة على «الشرق الأوسط». وهذه الدهشة مبررة إذا أخذنا في الاعتبار التراجع الملحوظ في السوق الإعلانية المحلية بفعل الأزمة المالية العالمية. وهي الأزمة التي أجبرت قناة بحجم «الجزيرة» على خفض 20 في المئة من نفقاتها. ويأتي ذلك رغم الإقرار بأنّ قطر تظل سوقاً إعلانية ضخمة في بلد يشهد استثمارات مالية هائلة، وطفرةً اقتصادية متواصلة يقول مسؤولوها إنها لم تتأثر كثيراً بالأزمة العالمية. وتتنافس على السوق الإعلانية الضخمة في قطر صحف «الراية» (بطبعتيها العربية والإنكليزية)، و«الشرق» (بطبعتيها العربية والإنكليزية)، و«العرب»، و«الوطن». وتستحوذ «الراية» على حصة الأسد من هذه السوق، تليها «الشرق»، فـ«الوطن» بينما دخلت «العرب» سوق المنافسة عام 2007، حين عادت إلى الصدور بعد سنوات طويلة من التوقّف.
تعويل على الجريدة السعودية للترويج للدبلوماسية القطرية في الخارج؟
وبالعودة إلى صدور طبعة «الشرق الأوسط» في قطر، كانت الحملة الإعلانية التي سبقت هذا الصدور لافتة جداً. إذ انتشرت، ولا تزال، لافتات إعلانية ضخمة في شوارع الدوحة، أعدّتها «القطرية للوسائل الإعلامية» وهي الوكيل الحصري لإعلانات الصحيفة في قطر. وتروّج اللافتات لـ«الشرق الأوسط» على أنها الصحيفة المحلية الأولى، رغم خلوها من تغطيات صحافية للشأن المحلي، باستثناء بيانات اقتصادية وتصريحات سياسية أو تغطيات لأحداث إقليمية ومؤتمرات تستضيفها الدوحة. وحتى الساعة، لا وجود لأي إشارات تبشّر بنية الصحيفة تغيير هذا الغياب عن الشؤون الداخلية القطرية. كما أنّ الجريدة لا تملك مراسلاً لها في قطر، ولم تعلن عن افتتاح مكتب لها في الدوحة بعد مرور أكثر من شهر على صدورها.
ويتساءل كثيرون عن الإضافة التي يمكن أن تقدمها «الشرق الأوسط» للقرّاء في قطر، في وقت يسود إجماع على وجود عزوف قوي عن قراءة الصحف في المجتمع القطري مقابل إقبال قوي، لفئة الشباب بالدرجة الأولى، على المنتديات الإلكترونية التي تشهد مساحة حرية أكبر.
ويُعد موقع «شبكة الأسهم القطرية» الأكثر انتشاراً وإقبالاً، حتى من جانب السياسيين الذين يهتمّون بمضمون النقاشات في تلك المنتديات التي تُعد «متنفساً» حقيقياً لفئات عريضة، تنتقد المسؤولين والمؤسسات الحكومية والخاصة تحت أسماء مستعارة.
في المقابل، يرى آخرون أنّ وجود «الشرق الأوسط» في قطر يمتلك أبعاداً أخرى. أبرزها الترويج الذي ستستفيد منه قطر مع صحيفة دولية تمتلك نصيبها من الانتشار عالمياً. ناهيك عن أنّ هذه الخطوة تمثّل دعامة إضافية لـ«التطبيع» الحاصل بين السعودية وقطر على أكثر من صعيد. ووفق هؤلاء، فإنّ قطر تعوِّل على «الشرق الأوسط» للعب دور بارز في الترويج للدبلوماسية القطرية وصورة قطر في الخارج، في غياب صحيفة محلية دولية. وكانت قد تردّدت قبل أربع سنوات أخبار عن نية قطر إطلاق صحيفة دولية ناطقة باللغة العربية، وقيل يومها إن اسمها سيكون «الجزيرة العربية»، وأنه أوكِل للصحافي، ونائب رئيس تحرير «الحياة» اللندنية سابقاً عبد الوهاب بدرخان مهمة تأسيسها. لكن المشروع تأجّل طويلاً، قبل إلغائه نهائياً في الأشهر الماضية.


المدينة 16

أعلن الرئيس التنفيذي وعضو مجلس إدارة «المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق» (التي تصدر «الشرق الأوسط») عزام بن محمد الدخيل خلال حفلة أنّه مع إطلاق نسخة الصحيفة من قطر، ستكون الدوحة المدينة الـ16 في العالم التي تطبع فيها الصحيفة السعودية بعد الرياض، وجدة، والظهران، والمدينة المنورة، والكويت، والدار البيضاء، وبغداد، والقاهرة، وبيروت، ودبي، وفرانكفورت، ومرسيليا، ومدريد، ولندن ونيويورك. وفي إشارة إلى عدم تأثّر الصحيفة السعودية بالأزمة المالية، قال «في وقت يكثر فيه الحديث عن تحديات تواجه صناعة النشر عالمياً، وأخبار إغلاق الصحف واحدة تلو أخرى، نجتمع لنحتفل اليوم بإطلاق طبعة جديدة لـ«الشرق الوسط»».