الياس مهدييبدو أن قناة «الجزيرة» باتت تعاني شحّاً في المواضيع مع حلول الصيف. في إحدى نشرات «الحصاد المغاربي» أخيراً، اختارت القناة القطرية مناقشة موضوع حظر النقاب في فرنسا، كأنّ هذا الملف شأن مغاربي بحت. هل عجزت القناة القطرية عن إيجاد أي موضوع آخر تناقشه في نشرتها المغاربية، رغم كثرة القضايا والملفات التي تناقشها الصحف المغاربية؟ طبعاً قد يرى بعضهم أنه لا مشكلة في مناقشة هذا الموضوع ما دامت فرنسا هي القبلة الأولى للمهاجرين ذوي الأصول المغاربية، إلى جانب الروابط الثقافية والتاريخية. لكن ذلك لا يبرّر ما حصل، بما أن النقاب ليس شأناً مغاربياً، بل إسلامي، ومن يرتدينه لسن المغاربيات فقط، بل مشرقيات، وخليجيات، وفرنسيات.
إذاً، يبدو هذا الموضوع مستفزاً لشريحة واسعة من سكان المغرب العربي، الذين وجدوا أنفسهم مصنّفين مواطنين فرنسيين، وخصوصاً أنهم يتحدثون الفرنسية في حياتهم اليومية، وهي التهمة نفسها التي يسوقها بعض العرب لسكان المغرب العربي؛ إذ غالباً ما يتّهم أبناء تونس، والجزائر، والمغرب، بأنهم ليسوا عرباً بما أنهم يتحدثون الفرنسية! وهذه التهمة عمرها سنوات طويلة، وسببها الأول والأخير هو هذا الجدار الوهمي الذي بناه بعضهم للفصل بين أبناء المغرب العربي، وأبناء المشرق، وخصوصاً في وسائل الإعلام.
اليوم، جاءت «الجزيرة» لتكرِّس هذه الاقتناعات التي اعتقدنا أن «الحصاد المغاربي»، و«أم بي سي المغرب العربي»، وغيرها من البرامج والقنوات جاءت لتغيّرها، وتؤكد أن سكان المغرب العربي إما أمازيغ أو عرب، لكنهم حتماً ليسوا فرنسيين أو أوروبيين.
من جهة أخرى، لا بدّ من التذكير بأن نشرة «الحصاد المغاربي» تحوّلت في الفترة الأخيرة إلى «نشرة حصاد الصحف المغاربية» بما أنّ معظم الأخبار المقدمة ما هي إلا قراءة للصحف المغاربية، لكن من دون ذكر المصدر!
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ اللوم لا يقع فقط على «الجزيرة»، بل أيضاً على الأنظمة في المغرب العربي، التي ترفض منح تراخيص لفتح المجال السمعي البصري (الجزائر مثلاً)، أو تفرض تعتيماً كبيراً على الأخبار (مثل ليبيا وتونس).
لكن الحديث عن علاقة «الجزيرة» بالمغرب العربي، لا تقف عند هذا الحدّ، بل جاءت حلقة «في العمق» (الاثنين 22:05) عن تنظيم «القاعدة في المغرب العربي» لتزيد الطين بلة. إذ بدا وضاحاً أن مقدّم الحلقة علي الظفيري لم يُعدّ واجبه جيداً، وأنّه لا يعرف تماماً في شؤون هذا الجزء من المنطقة العربية. كذلك، بدا الظفيري كأنّه لم يفهم ما يقوله ضيفه البريطاني جيريمي كينان أو أنّه لا يتلقّى الترجمة. أما الخاتمة، فكانت الأكثر مفاجأة: فحين سأل الظفيري: «هل هناك وجود لما يسمى تنظيم «القاعدة» في المغرب العربي؟»، جاء جواب الضيف صادماً، إذ قال: «لا».
باختصار، يبدو أن «الجزيرة» ما زالت تحتاج إلى الغوص أكثر في مشاكل المغرب العربي وخصوصيته، لتقدّم للمشاهد مادةً جديدةً... ومفيدة.