خليل صويلحلم يحضر حنا مينة (1924) حفلة تكريمه في موسم «أصيلة» الذي يقام حاليّاً شمال المغرب، ولم يتسلّم «جائزة محمد زفزاف للرواية العربية» التي يمنحها «منتدى أصيلة الثقافي الدولي» لروائي عربي كل ثلاث سنوات. الرجل مريض ووحيد منذ سنوات، لكنه لم يتوقّف عن الكتابة، هو الذي اعترف يوماً أن «الكتابة مهنة شاقة». في مكتبه الضيّق، يجلس صاحب «نهاية رجل شجاع» وراء طاولته. يضع عدسة مكبّرة أمام عينيه كي يرى مسار الكلمات على الورق. الوصية التي كتبها منذ ثلاث سنوات بأن يُدفن في قبر مجهول، لا تزال تقبع نسخة منها في أدراجه. كأن «البحّار» الذي اعتاد مواجهة العواصف والأنواء وحيداً، مصمّم على المضيّ في رحلته السيزيفية إلى النهاية...
رغم هذه المكابدات، فإنّ القرّاء على موعدٍ سنوي مع رواية جديدة له. هكذا، كتب خلال نصف قرن حوالى أربعين رواية، وإذا به يضع الرواية العربية في موقعٍ متقدم، في تأريخ البحر في المقام الأول. الحلّاق الذي نزح من اسكندرونة إلى ميناء اللاذقية، تعلّم الكتابة ككاتب عرائض ورسائل.

فاز غيابياً بـ«جائزة محمد زفزاف للرواية العربية» في أشهر مهرجانات المغرب
في قصته «على الأكياس»، يروي مينة جزءاً من سيرته عتّالاً في الميناء، وكيف كان يكتب محاولاته الأولى على الأكياس. لعلّ صاحب «الشراع والعاصفة» واحد من أبرز الروائيين العرب ممن استثمر سيرته الذاتية في السرد الروائي، بصرف النظر عن النزعة التبشيرية التي وسمت معظم أعماله. سيرة لا تخلو من مكاشفة وجرأة ومواجهة. في روايته الأولى «المصابيح الزرق» (1959)، رصد مينة أحوال حي القلعة الفقير، خلال الحرب العالمية الثانية، لكنّه تحوّل في أعماله اللاحقة إلى فضاء البحر، بناءً على خبرة مباشرة في حياة الصيادين والبحّارة: «إنّ البحر كان دائماً مصدر إلهامي، حتى إن معظم أعمالي مبللة بمياه موجه الصاخب» يقول.
لكن هل تكفي ملوحة مياه البحر لإنجاز نص روائي متفرّد؟ على الأرجح، فإنّ حنا مينة استهلك ثيمة البحر بتنويعات متقاربة، لم تصل إلى مستوى أعماله الأولى، مثل «الياطر»، و«الشراع والعاصفة». صاحب مقولة «الرواية ديوان العرب»، فتح الباب على مصراعيه لسرد حكائي مشوّق وواقعي، على أيدي ضيوف آخرين، حتى إننا فقدنا البوصلة إلى عناوين أعماله الأخيرة.