لماذا تقتصر مسلسلات السير على أهل الفن والأدب؟ المخرجة المخضرمة التي قدّمت «أم كلثوم»، و«قاسم أمين» تشقّ طريقاً جديدة مع «رجل من هذا الزمان»
محمد عبد الرحمن
قد يكون اسم علي مصطفى مشرفة (1898 ــــ 1950) مجهولاً بالنسبة إلى ملايين المصريين والعرب الذين يتابعون مسلسلات سير الفنانين، من أسمهان إلى عبد الحليم حافظ، مروراً بليلى مراد، وسعاد حسني... لكن ذلك لم يمنع المخرجة إنعام محمد علي من استكمال تصوير مسلسل «رجل من هذا الزمان» الذي يروي سيرة علي مصطفى مشرفة، أبرز عالم عربي في النصف الأول من القرن العشرين، وصديق العالم الأميركي الشهير أينشتاين.
هكذا تشارك المخرجة المصرية المخضرمة في السباق الرمضاني من خلال هذا العمل الذي يُتوقَّع أن يكون تاريخياً وعلمياً وروائياً في آن. لكن هل سينجح المسلسل؟ وهل يهتمّ حقاً الجمهور العربي بالتلصّص على حياة عالم شهير؟
يبدو الجواب صعباً الآن، لكن يرى بعضهم أنّ العمل قد يلقى مصير مسلسل «قاسم أمين» للمخرجة نفسها الذي لم يحقق نجاحاً جماهيرياً. فيما يرى آخرون أن مشكلة مسلسل «قاسم أمين» (1863 ــــ 1908) هي سيرة هذا الرجل الذي ظلّت تطارده الاتهامات حتى بعد وفاته. إذ إنّ رائد حركة تحرير المرأة، واجهته اتهامات عدة خلال حياته، وبالتالي فحياته كما أفكاره لا تزال مثيرة للجدل بالنسبة إلى كثيرين.
وبالعودة إلى «رجل من هذا الزمان»، تؤكّد إنعام محمد علي أنّ مصيره سيكون مختلفاً عن «قاسم أمين»، بما أن حياته لا تقتصر على الجانب العلمي «صحيح أنّه عالم رياضيات وذرّة، لكن الشق المثير في حياته هو وفاته الغامضة».
وتضيف المخرجة المصرية أنّ حياة مشرفة الاجتماعية ملأى بالمواقف الدرامية. وتكشف أنّ الحلقات التي كتبها محمد السيد عيد، لن تتناول فقط حياة العالم الشهير داخل المعامل والجامعات، وأهم أبحاثه وأصدقائه من العلماء، بل أيضاً المسؤولية التي تحمّلها صغيراً بعد وفاة والده. يومها، أصبح مشرفة ملزماً برعاية أمّه وأربعة أشقاء. ثم سينقلنا المسلسل إلى حياة مشرفة في لندن التي قصدها للدراسة أثناء ثورة 1919. وعندما اندلعت الثورة بقيادة سعد زغلول، كتب مصطفى مشرفة إلى أحد زعماء الثورة يخبره برغبته في العودة إلى مصر للمشاركة في الثورة، وكان جواب قادة الثورة وقتها: «نحن نحتاج إليك عالماً أكثر مما نحتاج إليك ثائراً. أكمل دراستك ويمكنك أن تخدم مصر في جامعات إنكلترا أكثر مما تخدمها في شوارع مصر».
وسيضيء العمل أيضاً على قصة الحب القوية التي عاشها مع زوجته، وحياته الخاصة الملأى بمواطن الجمال عكس ما يشاع عن العلماء. إذ كان مشرفة نموذجاً للرجل العصري بمقاييس تلك الأيام. واختارت إنعام محمد علي الممثل الشاب أحمد شاكر عبد اللطيف لبطولة المسلسل بعد تألقه في رمضان قبل الماضي من خلال شخصية فريد الأطرش في مسلسل «أسمهان». فيما تجسّد هَنا شيحة شخصية الزوجة. ويشارك أيضاً ممثلون آخرون أمثال إبراهيم يسري، ومنال سلامة، وياسر فرج، ومفيد عاشور. ويضع الموسيقى التصويرية رعد خلف من دون الاستعانة بأي مطرب عكس الموضة السائدة هذه الأيام.
تبدأ أحداث المسلسل عام 1923 وهو العام الذي حصل فيه مشرفة على الدكتوراه الأولى في فلسفة العلوم، وتتصاعد حتى وفاته الغامضة عام 1950 بأزمة قلبية، لتنطلق بعدها شائعات عدة حول وفاته مسموماً عن طريق خطة دبّرتها حاشية الملك فاروق من أجل قتل العالم البارز، أو من خلال تورّط الموساد الإسرائيلي الذي كان يطارد العلماء العرب في مرحلة باكرة تزامنت مع تأسيس دولة الاحتلال.

لن يتطرّق المسلسل إلى الروايات المتعدّدة لموته الذي يرى فيه بعضهم أصابع «الموساد»
لكن المسلسل سيترك النهاية مفتوحةً كما حدث في مسلسلَي «السندريلا ــــ سعاد حسني»، و«أسمهان» للابتعاد عن الشق الجنائي المثير للجدل. ويركز العمل فقط على إيصال رسالة علي مصطفى مشرفة إلى جمهور القرن الواحد والعشرين، وهي أن المواطن العادي يجب أن يدرك أهمية العلم في حياته ويتعرف عن قرب إلى التطورات العلمية، وألا يكتفي فقط باستخدام المنجزات العلمية من دون دراية بأهميتها. كما سيقارن المسلسل بطريقة غير مباشرة بين مكانة العلماء في تلك الحقبة الزمنية وما يحدث اليوم. إذ كانت مكانة مشرفة في العلوم توازي المكانة التي يتمتع بها سعد زغلول في السياسة، وطلعت حرب في الاقتصاد، فيما معظم العلماء المصريون الناجحون يقيمون اليوم خارج المحروسة.
وكان أينشتاين قد نعى مشرفة حين وصله خبر وفاته المفاجئة، مؤكداً أنّ أبحاثه حية لا تموت. وكان مشرفة قد قدم العشرات من الأبحاث المهمة في تلك الفترة، تلك المتعلقة بتوليد الكهرباء من خزان أسوان وبني عليه بعد ذلك نظام توليد الكهرباء من السد العالي. كما كان أول من أسس كلية العلوم في «جامعة القاهرة» ــــ «جامعة الملك فؤاد» في ذلك الوقت ــــ وأصبح أوّل عميد لها. وتقديراً لما قدّمه، لا يزال تمثاله التذكاري موجوداً في مسقط رأسه دمياط حتى اليوم.


امرأة في الصدارة

رغم أن الساحة الدرامية المصرية شهدت منذ الثمانينيات دخول أكثر من سيدة معترك الإخراج التلفزيوني، لكن اسم إنعام محمد علي (الصورة) يظلّ في الصدارة. إذ نجحت في تقديم عدد من المسلسلات التي حققت جماهيرية كبيرة، وفي مقدمتها العمل الذي تناول سيرة أم كلثوم وقامت ببطولته صابرين (الصورة). كما قدّمت فيلمَين تلفزيونيَين حقّقا نجاحاً وتناولا بطولات المصريين قبل حرب أكتوبر وبعدها وهما «الطريق إلى إيلات»، و«حكايات الغريب». وأبدعت المخرجة المخضرمة أيضاً في الأعمال الاجتماعية سواء التي كتبها أسامة أنور عكاشة وأبرزها «ضمير أبلة حكمت» أو مسلسل «قصة الأمس» لإلهام شاهين.