قبل 1994، لم يكن اسم المصوّر والسينمائي نادر داوودي معروفاً في إيران. ولم تكن تجربته البصرية قد بلغت النضج الذي يخوّلها الوقوف بين تجارب المصوّرين الكبار الذين عرفهم هذا البلد منذ منتصف القرن الماضي. داوودي (1963) كغيره من المصوّرين الشباب، عايشوا الحرب العراقية ـــــ الإيرانية (1980 ـــــ 1988)، واتجهت كاميراتهم إلى تلبية الطلب على صورها من وكالات الأنباء العالمية.ولعل السنوات الأولى من التسعينيات كانت مفصليةً في مسيرة هذا المبدع الشاب، إذ استطاع النظر ملياً في مشروعه البصري، باحثاً عن هوية خاصة خوّلته أن يصبح اسماً مهماً ومرادفاً للتجديد في هوية الصورة الفوتوغرافية، ويحلّ ضيفاً على أهم الصالات العالمية، وصولاً إلى معرضه الأخير في غاليري Xerxes Art في لندن.
تحولات عدة طرأت على تجربة نادر داوودي. ترك المصوّر الشارع، لمصلحة أعمال أنجزها وفق تقنيات الديجيتال والطباعة الحديثة (السلايد)، مستفيداً من التراث الإيراني وموروثه الشعري الكلاسيكي، إذ يستحضر الأدب بصفته معادلاً للصورة. يلتقط حكايا السلاطين من كتاب «الشهنامه»، أو ما يعرف بكتاب الملوك، وهو تجربة نثرية ضخمة للعادات الاجتماعية والقواعد الأخلاقية في بلاد فارس.
صار اسمه مرادفاً للتجديد في هوية الصورة الفوتوغرافية
هذا الانتقال من مفهوم الصورة إلى التعامل معها بصفتها تجارب بصرية مخبرية، استُخدم لرصد الثقل التاريخي والتحولات السياسة والثقافية التي شهدتها البلاد، والعلاقة التي تجمع الشاب الإيراني المعاصر بهذا الإرث. لقد اتخذ داوودي لمغامرته الجديدة منحيين: الأول احتفائي، والثاني لا يخلو من دعوات ـــــ ولو مبطّنة ـــــ للتخلص من ثقل هذا الإرث. تبدو الشخوص في بعض الأعمال في حالة شرنقية، وفي بعضها الآخر توظف بعض النصوص والحروفيات لتكون حاجبة للشخصيات، فتمنعها من الخروج إلى النور الباهت في أعمال بالأبيض والأسود.
تجربته المنحازة للإنسان ترافقت مع اشتغاله على تغيير مفهوم الصورة من مساحة فوتوغرافية تنقل الواقع، إلى وعاء فني يستوعب الأفكار والمضامين الثقافية والسياسة بعد الإفادة من التقنيات المدهشة في عالم التصوير.
تجارب نادر داوودي الأخيرة تجاوزت الفوتوغراف بمفهومه التقليدي، لتصير جزءاً من مشروع بصري مُسيّس، يمرّر الرسائل والإشارات عن واقع الشباب في إيران، وهو يعيش حالة من الازدواجية بين نزعة حداثية لا تخلو من المبالغة كنوع من ردّ الفعل، وواقع تتصارع فيه القوى السياسة والثقافية والدينية. وتحمل أعمال هذا الفنّان الكثير من الخصوصيات، لعل أبرزها الانغماس في التجريب، والعمل على إنجاز مشروع بصري ينبش الذاكرة الجمعية الإيرانية، بحثاً عن نقاط مشتركة لمجتمع يعجّ بالجدل ويزخر بالتناقضات.
حازم...