حسين بن حمزةيخرج قارئ رواية «أشياء رائعة» (دار الآداب) للمصرية ريم بسيوني بفكرة طريفة، وهي أن كتابة رواية مسألة سهلة جداً. الواقع أن هذه الفكرة تلاحق القارئ طوال الرواية المكتوبة وفق خطة مسبقة الصنع. حتى صفة «مكتوبة» تبدو فضفاضة وغير لائقة. الرواية مفبركة على قياس أفكار المؤلفة عن الواقع.
الواقع هنا هو مصر طبعاً، ولكن المعالجة الروائية مبنيّة على كليشيهات عمومية لم يعد لها مكان في الرواية المعاصرة، بل إن القارئ يستغرب أن تُكتب رواية كهذه من دون أن يتسرّب إليها ما يُذكِّر بالمنجزات الكثيرة التي حققتها الرواية المصرية طوال قرن كامل. كأن صاحبة «الدكتورة هناء» (جائزة ساويرس 2010)، قررت إدارة ظهرها لما نعرفه عن الرواية، ميممةً نحو رواية سهلة وساذجة لا تتعب القارئ، ولا تطالبه سوى بالاستسلام لنفوذ الرواي الكليّ القدرة الذي يُعفيه من أي مجهود أثناء القراءة، ويمنعه، في الوقت نفسه، من الشعور بالمتعة الطبيعية التي تتحصَّل من قراءة الروايات. القارئ الذي يفتش عن رواية «تُفسد» حياته، وتستفزّ ذائقته، سيجد نفسه أمام رواية غير قادرة على «إفساده» لأنها رواية «فاسدة» أساساً.
هناك ثلاث شخصيات تتسيّد «أشياء رائعة»: القبطان مراد (نفهم بسرعة أنه رمز الفساد)، والمهندس حازم (ابن الطبقة الراقية المنزِّه نفسه عن وحل الحياة العادية)، وأسماء (الأم والأرملة البسيطة التي ترمز لمصر). حسناً، كيف يمكن شخصية روائية أن تلعب دور بلدٍ بكامله؟ ثم كيف يمكن أن تلتقي هذه الشخصيات المتنافرة؟ لا يحتاج القارئ إلى هذا السؤال، إذْ إن صاحبة «بائع الفستق» لا تتأخر في ترتيب (إقرأ: تلفيق) الحدث أو الحبكة المطلوبة.
كليشيهات عمومية لم يعد لها مكان في الرواية المعاصرة
ما هي الحبكة؟ القبطان مراد يريد من المهندس حازم أن يبني له قبراً يكون على شكل صرح معماري يضع في الثاني كل موهبته وخبرته. القبر يحتاج إلى أرض مناسبة. هنا يأتي دور أسماء الشرقاوي التي تملك الأرض. الأرض رأسمالها الوحيد لتسلق طبقة أعلى من طبقتها. كيف؟ تعرض الأرض على القبطان، ثم على المهندس. تحاول بشتى الوسائل أن تؤمن مستقبلاً مختلفاً لأبنائها، فهي مقتنعة بأن الأكبر سيصبح سفيراً، والأصغر ضابطاً كبيراً، والبنت ستكون أول طبيبة في العائلة. فجأة يصبح القبر ذريعة لصراع مفتعل بين القبطان والمهندس. الأول ينظر إلى أسماء كفانتازم جنسي عن جسد الفلاحة وفطرته غير الملوثة. بينما تأخذ المؤلفة على عاتقها أن يقبل المهندس بعلاقة جسدية مع الفلاحة. علاقة تجعله يكتشف كم كان مخطئاً في أحكامه على الطبقات المتواضعة. تستسيغ المؤلفة ذلك، فتدفع المهندس إلى عرض الزواج على أسماء التي ترفض، ولكنها تصاب بمسٍّ غريب يجعلها غريبة الأطوار. نكتشف أنها تحب المهندس لكنها غير قادرة على الارتباط به!؟ في الأثناء، يشتري المهندس الأرض ويبني قبراً يُخلِّد موهبته المعمارية، ويُدفن القبطان فيه.
تختم ريم بسيوني بإشارة توضّح لِما اختارت «أشياء رائعة» عنواناً لروايتها، هي أن هوارد كارتر حين اكتشف مقبرة توت عنخ أمون، سأله اللورد كارنفان: ماذا ترى؟ فأجاب: أشياء رائعة. المشكلة أن هذه الإشارة لا تنفي إحساس القارئ بأنه أضاع وقته في «أشياء (غير) رائعة».