strong>هناء جلادبعدما غادر فنانون كثر «روتانا»، وفي ظلِّ الخسائر الكبيرة التي يشهدها سوق الإنتاج الغنائي، كيف تعمل الشركات الأخرى؟ أيّ خطط تتبّع اليوم لمواجهة الواقع؟ هل تبدّل سلّم الأولويات وسط القرصنة وسطوة «الديجيتال»؟ أيّ عقود توقَّع اليوم مع النجوم؟ وماذا ينتظر هذا السوق في المستقبل القريب؟ كل هذه الأسئلة حملتْها «الأخبار» إلى مسؤولين في شركات الإنتاج الغنائي التي تحاول اليوم النهوض من الأزمة، ولو بأقلِّ خسائر ممكنة.
قبل فترة، دخلت «بلاتينيوم ريكوردز» التابعة لمجموعة mbc، سوق الإنتاج والتوزيع الغنائي. وهدف الشركة منذ البداية كان «التعاون مع مغنّي الصف الأول، وصناعة نجوم جدد»، كما يشرح مصدر مقرّب من الشركة. ولكن هل فعلاً تستطيع الشركة «اصطياد» الأسماء الكبيرة في ظلِّ عقود الاحتكار التي توقَّع عادةً؟ «الواقع اليوم يكشفُ عن استقلالية عدد لا يستهان به من النجوم، إنْ كان لناحية الإنتاج أو إدارة الأعمال. ومن بين هؤلاء مثلاً راغب علامة، ونانسي عجرم ومحمد حماقي الذي وزّع ألبومه الأخير «ناويها»، فضلاً عن رويدا عطية، ولطيفة التونسية، ورضا العبد الله، وديانا حداد وعبد الرب إدريس...».
هذا عن التوزيع، فماذا عن الإنتاج؟ لقد عملت الشركة على إنتاج أعمال منى أمرشا، وعبد الفتاح الجريني، الفائزين ببرنامج «البوم» (mbc)، بينما يبقى نجم الشركة الأول المطرب السعودي راشد الماجد. وسط كل هذه الأسماء، يبقى سؤال أساسي عن جدوى صناعة ألبوم غنائي كامل، في ظلِّ تعاظم ظاهرة القرصنة؟ يجيب المصدر: «لم ينته زمن الأسطوانة بعد، لكن الخط التجاري لهذه الصناعة تغير حتماً. وهنا، لا بد لشركات الإنتاج من انتهاج التطور مع إلغاء مكاسب توزيع الشريط الغنائي من جدول الميزانية، وتحويله نحو مصادر أخرى متنوعة منها الرعاية الإعلانية والحفلات الكبيرة، ومردود الجيل الثالث لتكنولوجيا وسائل المسموع والمرئي. ولا يخفى على أحد هنا أنّ أهمية إنتاج الألبوم الكامل انحصرت بضرورات أرشيفية للمغنيمع ذلك، يرفض المصدر ما يشاع عن أننا وصلنا اليوم إلى زمن «السينغل» أو الأغنية المنفردة، كون ذلك لا يؤسس لهوية المغنّي وشخصيته الفنية المتكاملة. ويعتبر أي نجاح من هذا القبيل لا يصنع نجوماً حقيقيين بل «مجرد فقاعات هواء ستزول مع زوال الموجة». ويتابع: «ما يُميِّزُنا عن غيرنا أنّنا كشركة إنتاج منبثقة عن مجموعة إعلامية كبيرة لا نعمل لمصلحة الشاشة، بل على العكس يُكرّس انتشار الأخيرة لمصلحة المغني».
أما بالنسبة إلى كلفة الإنتاج من ثمن الكلمة إلى اللحن وتوزيع الأغنية وحتى تصوير الفيديو كليب، فيؤكد المصدر على المبالغات التي تُتداوَل في الوسطين الفني والإعلامي، ذلك أنّ الكلفة «تتضاعف أو تنخفض وفق التطورات التكنولوجية في عالمي التصوير والتسجيل، وتكون محدودة ومعروفة في ما يتعلّق بشراء الكلمة واللحن».
ومن «بلاتينوم» إلى «آرابيكا ميوزيك» التي أطلقتْ شاشتها المتخصصة بعرض الأغاني المصوَّرة منذ فترة قريبة. وهو توجه يتحدّث عنه المدير التنفيذي مرسال الزغبي، قائلاً: «كرّسنا المحطّة الفضائية لمصلحة فناني الشركة، كما قررنا عدم الاحتفاظ بحصرية عرض إنتاجاتنا لأنها تؤثر سلباً في انتشار الفنان، وبالتالي في مردود الشركة المالي». لكن من أين تأتي شركات الإنتاج بالأرباح مع تدهور حال سوق الكاسيت؟ يردُّ سريعاً: «لقد تحوّل سوق الكاسيت إلى مجرد عبارة وهمية، لا وجود لها على أرض الواقع، لا سيّما في ظل تسريب الأغاني عبر الشبكة الإلكترونية وتحميلها المجاني بعد ثلاث دقائق من إصدارها رسمياً. لذا، عمدت معظم شركات الإنتاج الغنائي الى استحداث قسم إدارة أعمال المغنّين، تسترد منه بعضاً من كلفة الإنتاج عبر الحفلات وغيرها». لم تدخل «آرابيكا» سوق التوزيع حتى اللحظة، لذلك ما زالت تستعين بالشركات المتخصصة في هذا المجال. أما بالنسبة إلى كلفة الإنتاج والأسعار، فيقول الزغبي: «قد تصلُ كلفة إنتاج أغنية إلى حدود المئة ألف دولار أميركي مع تصويرها على طريقة الفيديو كليب. أضيفي إلى ذلك كلفة الترويج لها عبر أثير الإذاعات وعلى صفحات المجلات الفنيةمع شركة «عالم الفن» أو «مزّيكا»... يبدو الوضع مختلفاً. ذلك أنّ غدي شرارة، مدير مكتب بيروت، لا يجد جدوى فعلية من إنشاء قسم إدارة الأعمال والحفلات بغية تقليص الخسائر: «لا تفيد هذه الخطة إلا مع الفنان الجديد. ذلك أن الكبار يرفضون عادةً أن تسترد الشركة باليد اليسار ما تعطيه لهم باليمين. أضيفي إلى ذلك أن وجوهاً وأسماءً محددة تحتكر سوق الحفلات اليوم إلى حد الملل». في المقابل، يوضح شرارة أن «مزيكا» لا تحتكر إنتاجاتها من الفيديو كليب إلا لفترة 21 يوماً من العرض الأول قبل أن توزعها على القنوات الأخرىلكن ماذا عن تراجع أسهم الشركة في بورصة الغناء؟ يجيب بحزم: «لم نتراجع، لكننا بالتأكيد في حالة إعادة تموضع. وخير دليل على ذلك أننا كنا أول من أطلق خدمة تنزيل الأغاني والرنّات عبر الخلوي». وفي ما خص التوزيع، يؤكد أنّ القرصنة قضت على نحو شبه كلي على سوق مبيعات الأسطوانات. ويشرح ساخراً: «في الماضي، كنا نستخدم عبارة تقنية هي «الفلشة الأولى» كدلالة على الطبعة الأولى من أي كاسيت يصدر في السوق. أما اليوم، وبعد سيطرة القرصنة على الأسواق، نسينا تماماً كيف ينفد ألبوم من الأسواق عند الفلشة الأولى لنطرحه ثانيةً وثالثةً. وإذا حسبنا كمية الأسطوانات المدمجة الفارغة التي تستوردها البلاد العربية، سنجد أنّها تفوق مئات المرات عدد الألبومات الغنائية التي تطرحها شركات الإنتاج كلها في الأسواق».
أما بالنسبة إلى «ميلودي ميوزيك»، فيعترف مديرها العام محمد حمزة بأن «سوق الإنتاج الفني يعيش اليوم مخاضاً في انتظار تبلور أنظمة جديدة، تأخرت بمواجهة تأثيرات الشبكة الإلكترونية».

أهمية إنتاج الألبوم الكامل انحصرت بضرورات أرشيفية للمغنّي

القرصنة قضت على سوق مبيعات الأسطوانات
ويوضح: «في السابق، تراجعت مبيعات الكاسيت لمصلحة الأسطوانة المدمجة. واليوم تراجع الـ«سي دي» لمصلحة «الديجيتال». غزا «الديجيتال» السوق، فيما لم تكن شركات الإنتاج قد أدركت بعد كيفية الإحاطة به، نظراً إلى كونها متمرسةً فقط بالأساليب التقليدية لمبيعات شركات الإنتاج الفني».
إلا أن حمزة يبدو متفائلاً، مشيراً إلى «أننا اليوم في آخر المخاض، على أن تتبلور قريباً العقود الجديدة للتعاون مع الفنانين. وهي عقودٌ ستهتمّ بالصورة الجماهيرية لكل فنان، لكنها ستُراعي أيضاً مصادر حديثة لجني الأرباح من تنظيم الحفلات والإعلانات، وتقاسم هذا المردود مع الشركة المنتجة». لكن، كيف يُفسِّر ارتفاع الأسعار وسط هذا الركود؟
«إنها مسؤولية الشركات الكبرى التي رفعت السقف عالياً بهدف الاحتكار، من دون الالتفات الى سلبيات هذه الخطة على المدى البعيد». وهنا أيضاً يؤكد أنّ «الجميع في طريقهم إلى إعادة حساباتهم. ونحن في «ميلودي» نحاول مجاراة هذا التطور بسرعة، في مجالات الغناء والسينما والتلفزيون والدراما».