محمد عبد الرحمنشركاتٌ بلا مطربين ومطربون بلا شركات... هكذا يمكن اختصار المشهد في سوق الكاسيت المصري حالياً، خصوصاً أنّ كل شهر يشهد تقريباً فسخ عقدٍ بين أحد النجوم وإحدى شركات الإنتاج. وفيما خُيِّلَ لبعض المتفائلين أن تزعزع وضع «روتانا» سيسهم في استعادة بعض الشركات المصرية لبريقها، أيقن الجميع أخيراً أن الأمور لن تعود إلى نصابها: من جهة، فقد عدد من أسماء الصف الأول الألق بعدما أغرتهم عقود «روتانا» المادية، من دون أن تدفع به نحو مزيد من النجومية. ومن جهة ثانية، لم يعد المنتج وحده قادراً على إعادة الوهج إلى الفنان. وبالتالي، تحوَّل المنتجون الكبار ــــ وفي مقدمتهم محسن جابر ــــ إلى موزعين، يعتمدون على قناة فضائية تضمن للمغني الترويج التلفزيوني فقط. وهو ما ينطبق على شركة «ميلودي ميوزيك»، اللاعب الثاني في سوق الكاسيت المصرية. كل ذلك يُفسر الاهتمام غير المسبوق بالمغني الشعبي أبو الليف الذي ظهر فجأةً، محققاً نجاحاً حقيقياً، تفتقر إليه السوق منذ سنوات. علماً بأن أبو الليف باع قرابة ستين ألف نسخة، فيما كان الحد الأدنى لألبومات عمرو دياب، قبل تعاظم القرصنة، لا يقل مثلاً عن ربع مليون نسخة!
لكن... ما هي الأسباب الحقيقة الكامنة وراء هذا الركود؟ يجمع متابعون على أن القرصنة تُعدُّ السبب الأول لهذا التدهور. ويبدو لافتاً عدم سعي الشركات الغنائية للتوحّد لمواجهة القرصنة أو للبحث عن بدائل حقيقية لهذه المشكلة التي تكبِّد صناعة الموسيقى خسائر فادحة. أما بالنسبة إلى السبب الثاني، فهو تعثر محسن جابر ونصر محروس وغيرهما من المنتجين البارزين على التعاون مجدداً مع نجوم، اعتادوا «الدلال» في «روتانا» التي تدفع مبالغ كبيرة، وتسمح لهم بالتفرُّد باتخاذ القرارات.
هكذا، تتوالى المواسم من دون أي منافسة جدية بين المغنين المخضرمين، أو حتى ولادة نجوم قادرين على جذب الأضواء وتحقيق الحد الأدنى من الأرباح، فيما بقي نزوح المغنين من هذه الشركة إلى تلك... وحده سيّد الموقف.
البداية مع «غود نيوز» التي مُنيَتْ بخسارات عدّة في مجال الإنتاج السينمائي، قبل أن تخسر نجوم الغناء الواحد تلو الآخر: غادرها أولاً الشباب حاتم فهمي وايساف ومحمد قماح. ثم وصل الدور إلى ماجدة الرومي، وبعدها المغربية جنّات.
بدوره، انتقل خالد سليم من «مزيكا» إلى «ميلودي». كذلك فعل رضا، ونوال الزغبي ورامي عياش الذين هربوا من «روتانا» إلى «ميلودي». وفيما انفصل هيثم شاكر عن «فري ميوزيك» لنصر محروس، لا يزال هذا الأخير يعيش رحلة البحث عن نجوم جدد عوضاً عن تامر حسني، وشيرين وبهاء سلطان. لكن يبدو أنّ سوما ودياب فشلا في إعادة محروس إلى أيام العز. وأخيراً، لم يبق في شركة «هاي كواليتي» سوى حمادة هلال وسعد الصغير. فيما احتفلت «مزيكا» («عالم الفن») أخيراً بعودة آمال ماهر بعد فترة انفصال تعاونت خلالها مع «أرابيكا ميوزيك» التي تراهن بدورها على هاني شاكر ووائل جسار. أما بالنسبة إلى «عالم الفن»، فيحسب لها تمسكها حتى اليوم ببعض الأسماء المعروفة من تامر حسني، ومصطفى قمر إلى محمد كيلاني ومحمود العسيلي، فضلاً عن توزيع ألبومات سمية الخشاب، وعلي الحجار، ومدحت صالح وخالد عجاج. وسط هذه الأسماء، أصدر محسن جابر (صاحب الشركة) أخيراً بياناً شديد اللهجة، يتضامن فيه مع رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري أسامة الشيخ، ضدَّ الهجوم العنيف من الأمير الوليد بن طلال وإدارة «روتانا» بخصوص أزمة بيع التراث المشتعلة بين الطرفين. وهذه القضية باتت اليوم «أم المعارك» بين المنتجين، فأهملوا المعارك الفنية الهادفة إلى تقديم أغنيات تنعش السوق. من هنا، أصبح النجاح مسؤولية المغنّي وحده، سواء كان متعاقداً مع شركة أو حراً طليقاً. وها هي أنغام ترفضُ تجديد التعاقد مع «روتانا» بمقابل مادي أقل، ومحمد فؤاد يخرج قريباً من الشركة التي أصدرت له أخيراً ألبوم «بين إيديك»، فيما نجومٌ آخرون يحاولون الوصول إلى الجمهور، ولو عبر أغنية فيلم سينمائي!