Strong>رحلة البحث عن «الصورة الملتبسة»رغم عقود من التجارب والمحاولات والأسماء، لم تأخذ السينما في لبنان حقّها من التأريخ. الناقد المخضرم يسهم في سدّ هذه الثغرة بدعم من «بيروت عاصمة عالميّة للكتاب»

ليال حداد
ليس كتاب إبراهيم العريس «الصورة الملتبسة ــــ السينما في لبنان: مبدعوها وأفلامها» (دار النهضة العربية) أوّل محاولة لهذا الناقد، في التأريخ للفنّ السابع الذي واكب انطلاقته الثانية في بيروت السبعينيات. لكنّ الناقد المخضرم خطا أكثر باتجاه النضج والاكتمال، في مشروع التوثيق للسينما اللبنانية، منذ انطلاقتها المتّفق عليها مع فيلم «مغامرات الياس مبروك» (1929) للإيطالي جوردانو بيدوتي، وصولاً إلى فيلم «بدي شوف» (2008) لخليل جريج، وجوانا حاجي ــــ توما.
في كتابه الجديد الذي صدر بدعم من «بيروت عاصمة عالميّة للكتاب»، يعرّفنا الناقد اللبناني إلى سبعة أجيال من المخرجين اللبنانيين، أو أقلّه سبع حقبات زمنية من تاريخ لبنان أفرزت بدورها أنماطاً سينمائية مختلفة: جيل «الرواد»، وجيل «الهوية الصافية»، وجيل «السينما المصرية في لبنان»، وجيل «المساعدين»، وجيل «الحرب»، وجيل «الورثة»، ثم الجيل الأخير الذي ظهر في الألفية الثالثة. ومن جيل إلى آخر، نكتشف الارتباط العضوي والوثيق بين التطورات السياسية والأمنية في لبنان والمنطقة وتطوّر الفن السابع.
يلاحظ العريس أن كل قفزة سينمائية جاءت مترافقة مع أوضاع سياسية خاصة بمرحلتها
يلاحظ العريس أن كل قفزة سينمائية جاءت مترافقة مع أوضاع سياسية خاصة بمرحلتها: الانتداب الفرنسي، ثم فترة الاستقرار الذي تلا الاستقلال اللبناني عام 1943، ثمّ هجرة المنتجين المخرجين من مصر هرباً من التأميم الذي طاول قطاع السينما، فمرحلة الارتباك السياسي التي سبقت الحرب. أما النقلة النوعية التي حقّقتها السينما اللبنانية في نظره، فكانت مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، إذ أفرزت جيلاً من المبدعين، يتصدره مارون بغدادي، وبرهان علوية، وجان شمعون، ورندة الشهال، وهيني سرور، وجوسلين صعب... ويرى إبراهيم العريس أن هذه المرحلة هي الأهم في تاريخ السينما في لبنان: «أفترض أن السينما اللبنانية (بالمعنى الشامل للكلمة...) ولدت أخيراً، وصار بالإمكان أن توضع لها فيلموغرافيا».
«ما هو الفيلم اللبناني؟» يسأل العريس. «أهو الفيلم الذي حقق في لبنان؟ أو الذي أنتج بأموال لبنانية؟ أم حققه مخرجون لبنانيون؟». طبعاً لا جواب نهائيّاً في الكتاب، بل محاولات تقود «الباحث إلى ما يشبه الأدغال، وتجبره في لحظة من اللحظات على المقارنة بين السينما والمجتمع اللبناني نفسه».
ولعلّ أسئلة العريس تبدو مشروعة إلى حد كبير، وخصوصاً إذا نظرنا إلى التطورات التي طرأت على السينما في لبنان على مرّ العقود، من محاولات لبننتها (من قبل «مخرجين مسيحيين» خصوصاً، حسب تصنيفاته السوسيو ــــ طائفيّة المثيرة للجدل)، إلى محاولة تحويلها إلى سينما مصرية. وهي التجربة التي لم تقدم شيئاً للسينما اللبنانية بحسب الكاتب، «بل حتى إنها لم تترك مستوى مهنياً متميّزاً لدى طواقم العمل». ويصل هنا إلى استقراء سينما ما بعد الحرب مع غسان سلهب، ونادين لبكي، وأسد فولادكار... ممن «وفّروا ذلك التواصل في السينما اللبنانية الجديدة، سينما المؤلف... التي طردت الحرب من سينما كانت تريد أن تتحرر منها».
ولا يكتفي صاحب «الصورة والواقع» و«رحلة في السينما العربية»، بالسرد التاريخي لتسلسل الأفلام في لبنان، بل يقدّم قراءة نقدية ــــ قاسية أحياناً ـــ للأعمال التي يعرضها، كوصفه فيلم جورج قاعي «السم الأبيض» (1961) بـ«الموعظة الأخلاقية».
وبما أن هدف الكتاب هو بشكل أو بآخر التوثيق للسينما اللبنانية، فإن العريس أرفق النص بمجموعة كبيرة من الصور لأبرز الأفلام والمخرجين الذين شاركوا في صناعة الفن السابع في لبنان. وخصّص الجزء الأخير من الكتاب لـ«100 فيلم صنعت السينما اللبنانية». فذكر الأفلام مع أسماء مخرجيها، وكتابها، وأبطالها إلى جانب نبذة صغيرة عن قصتها وعن ردود الفعل النقدية التي أثارتها لدى عرضها.