سامية عيسى على محكّ السرد


الكاتبة الفلسطينية توقّع هذا المساء في بيروت باكورتها «حليب التين» (دار الآداب) التي تتناول الحياة البائسة في المخيم، والفساد الذي نخر جسد الثورة...

حسين بن حمزة
أيّهما الأهم: حوادث الرواية أم كيفية كتابتها؟ سؤالٌ يمكن وضعه برسم رواياتٍ عربية كثيرة تصدر هذه الأيام. لا يتسع المجال هنا لتعقُّب الفرق الذي قد يبدو للبعض واهياً، بين عناصر الرواية وأسلوبها، علماً أنه فرقٌ حاسم يخترق العمل الأدبي كله، ويجعله مقنعاً أو غير مقنع. الأحداث والشخصيات ونوعية التطورات أشياء مهمة طبعاً، لكن الأسلوب والمهارات المستخدمة في كتابة كل ذلك، هو ما يُخلِّد أيّ رواية في ذاكرة القارئ.
«حليب التين» (دار الآداب) للكاتبة الفلسطينية سامية عيسى، واحدة من تلك الروايات التي تتغلّب فيها عناصر السرد على كيفية السرد. ثمة جهد مبذولٌ في إنجاز باكورة روائية تصنع لصاحبتها اسماً وأثراً، فضلاً عن توافر نيّة روائية طيّبة لتأريخ الفترة والبيئة اللتين تحتضنان الحدث والشخصيات. لكن هذه النية غير مصحوبة بمهارات كتابية كافية. هكذا، تلجأ الكاتبة إلى إخبار القارئ بما يجري بدلاً من كتابة ما يجري. استخدام ضمير الغائب يسهِّل هذه المهمّة التي تسمح بتسرّب كليشيهات تعبيرية كثيرة تُضجر القارئ المتطلب.
تبدأ الرواية بـ «فاطمة» التي تكتشف اللذة الحقيقية بمداعبة نفسها داخل المرحاض العمومي في «مخيم أوزو» الملاصق لمخيم «عين الحلوة»، ثم تتسيَّد «صديقة» زوجة ابنها أحمد معظم صفحات الرواية. يستشهد أحمد وإخوته الثلاثة في معارك مع الجيش الإسرائيلي في الجنوب، وفي حروب المخيمات. تسافر صديقة سراً إلى دبي للعمل مصفّفة شعر، تاركةً أولادها الثلاثة في عهدة حماتها. تكتشف صديقة أنّ المحل مجرد واجهة تُدار من خلفه شبكة دعارة. تنخرط في العمل، ثم تعمل لحسابها الخاص بهدف جمع مبلغٍ يكفل لها حياة أفضل. تلتقي وليد اليافاوي، الصحافي والشاعر الفلسطيني، تستعيد معه بعضاً من إنسانيتها المدفونة تحت قناع المومس، لكن

مذاق توثيقي يذكّر بالتحقيقات الصحافية الناجحة

الأوان فات على ارتباط كهذا. تنتهي الرواية بالتحاق صديقة بأبنائها الثلاثة وحماتها في الدنمارك. في الأثناء، تمر تفاصيل وتطورات عن الحياة البائسة في المخيم، وعن فساد عدد من رجال الثورة الفسطينية، وعن انكسار الأحلام في الشتات... مقابل حياةٍ أخرى تجري في دبي. حياة تبرع الكاتبة في وصفها وتحليلها، الذي يبدو مثقفاً أحياناً وفضفاضاً حين يُروى على لسان صديقة.
بطريقة ما، نحسّ أن بعض الفصول منجزٌ بمذاق توثيقي وتسجيلي يذكّرنا بالتحقيقات الصحافية والميدانية الناجحة. لا مشكلة طبعاً مع واقعية الرواية، ومصائر شخصياتها. المشكلة أنّ كل ذلك منفَّذٌ وفق مخطط سردي تعوم الرواية على سطحه، بدلاً من أن يغوص القارئ في أعماقها، فضلاً عن استخدام تعابير سردية مكرورة وساذجة من «حواضر» الرواية العربية التقليدية. ومع ذلك، ثمة شيء ما يدفع القارئ إلى التسامح مع بعض الشوائب التي تعترضه: إنها رواية أولى. لعلّها وعدٌ بما هو أفضل.


6:00 من مساء اليوم ـــــ «فيرجن ميغاستور» (وسط بيروت) ـــــ للاستعلام: 01/999666