ديانا كرال رسولة الجاز والليالي الملاح



القصر الشوفي يحتضن عازفة البيانو الكنديّة وأشهر مغنيات الجاز في أيّامنا. عودة إلى النجمة الفاتنة التي لعبت لعبة السوق، وجاءت مسيرتها حافلة بالنجاح وبعض العثرات


بشير صفير
بعد مراجعة برنامج السنة الماضية، نلاحظ أنّ «مهرجانات بيت الدين» أرادت تكرار تجربة مادلين بيرو لناحية برمجة موعد جازي خفيف. يتمثّل هذا التيار خلال الدورة الحاليّة بديانا كرال التي ستحيي أمسية وحيدة (2/ 8). لا يمكن أحداً التشكيك في شهرة المغنية وعازفة البيانو الكندية الاستثنائية. مسيرتها الفنية التي انطلقت قبل 17 عاماً حفلت بالتسجيلات والجوائز والجولات العالمية. استطاعت أن تصنع مجداً كبيراً يجعل من حلولها ضيفةً على صيف لبنان حدثاً بحد ذاته. غير أن هذه الهالة التي تحاط بها الفنانة الأربعينية في لبنان والعالم تشوبها نقاط لغط جوهرية. صحيح أن كرال لديها الحد الأدنى من المستوى المطلوب لخوض تجربة الجاز غناءً وعزفاً على البيانو. لكن، ومن دون أن ندخل في تفاصيل كثيرة، نكتفي بالإشارة العابرة إلى الأمور التي تضع تجربة كرال في إطارها الصحيح.
انطلقت ديانا كرال أواسط التسعينيات عبر ألبومَيْها الأوّلين Stepping Out (1993) وOnly Trust Your Heart (1995)، معتمدةً استعادة كلاسيكيات من عالم الجاز. احتضنها منذ البداية حتى آخر إصدار لها كبار العاملين في هذا المجال، من عازفين وموزّعين. غير أنها لم ترتقِ يوماً إلى مستوى فنانة الجاز بالمعنى النقي للكلمة، مع العلم بأن بدايتها كانت أفضل حالاً مما آلت إليه لاحقاً، بعدما ارتمت في أحضان النظام الاستهلاكي الذي حوّلها إلى نجمة تستعرض جمالها، وتصطنع حركاتها.
أنجزت أكثر من عشر أسطوانات، منها Love Scenes (1997)، «الفتاة في الغرفة الأخرى» (2004). آخرها صدر السنة الماضية تحت عنوان Quiet Nights، وكتب التوزيع الأوركسترالي فيه كلاوس أوغرمان، كما في ألبوم The Look Of Love (2001). خلال هذه السنوات، حققت ألبوماتها نجاحاً كبيراً، وحصدت جوائز عدّة. وساعدها على ذلك الترويج الإعلامي لها، ربما رغبة من أصحاب القرار في السوق العالمية بإعادة الجمهور العريض إلى أجواء الجاز، من باب الخلطة المخففة.تتمتع هذه المغنية بصوت أنثوي جهوري، يرى بعضهم أنه يفتقر إلى عنصر مهم في الجاز، هو الصدق. وهذا يمكن ملاحظته في التسجيلات المصوّرة، حيث تعكس ملامحها شخصية مغنية بوب فرنكوفوني، غير منغمسة في شقاء الجاز ومعاني النصوص. هذا قابل للنقاش. لكنّ الحلقة الأضعف لدى ديانا كرال، تبقى مستوى عزفها المتفاوت على البيانو. أحياناً توفّق بمرافقة ممتازة، أو بارتجال لافت، وأحياناً أخرى تتلعثم في إكمال جملة مرتجلة كأنها أصيبت فجأة بقصور إبداعي خلال عملية الخلق الآني (رحم الله نينا سيمون). كذلك تبدو في الجمل الحساسة تقنياً كأنها عازفة مبتدئة، ما قد يعني أنها غير مسيطرة تماماً على آلتها من الناحية التقنية... وهذا ليس عيباً إلا لدى الإصرار على تبيان العكس.
بالعودة إلى صوتها، يلاحظ من سمع تسجيلاتها القديمة أنه ازداد خشونة. وبالنظر إلى عمرها (45 سنة خلال تسجيل الألبوم الأخير)،

صوت أنثوي جهوري يفتقر إلى «الصدق»

يمكن اعتبار الأمر طبيعياً. في هذه المرحلة تعيش المرأة تحوّلاً طبيعياً مطابقاً تماماً، من حيث المبدأ، للتحوّل الذي يشهده المراهق (الشاب) في مرحلة البلوغ. إنه أمرٌ طبيعيّ، حصل مع جميع مغنيات العالم. لكنّ الخسارة تكمن في أن ألبومها الأخير حوى في الجزء الأكبر منه كلاسيكيات البوسا ـــــ نوفا ذات المزاج الهادئ والإيقاع البطيء ballads. هذه الروائع تحتاج إلى دفء إضافي، لم يكن متوافراً في صوت كرال في السابق، فكيف لها أن تضفي اليوم شيئاً على تسجيلات أسترود جيلبرتو ذات الصوت الملائكي؟
غير أن نقطة القوة في هذا التسجيل هي الإعداد الأوركسترالي الذي وضعه كلاوس أوغرمان، الذي لا نعرف كيف أقنعته كرال بالعودة إلى العمل، بعدما ابتعد عن البوسا ـــــ نوفا والجاز وانصرف إلى التأليف الكلاسيكي المعاصر! سنفتقد في بيت الدين توزيعات أوغرمان، إذ تأتي الفنانة الكنديّة مع أعضاء فرقتها الأساسية الثلاثة، كما في الجولة الخاصة بـQuiet Nights، التي نشاهد مقتطفات منها في الـDVD المرفق بالنسخة الدولوكس من الألبوم.


الاثنين 2 آب (أغسطس) المقبل ـــــ «مهرجانات بيت الدين»