غضب أوروبي على «غوغل»، ودعاوى قضائية بحق «فايسبوك»، و«تويتر» يسلّم معلوماته إلى «مكتبة الكونغرس»... متى تتوقّف مواقع «التواصل الاجتماعي» عن اختراق خصوصيات المشتركين؟
صباح أيوب
بعد السَكرة الإلكترونية، جاءت الفَكرة! كأنّ عمالقة الإنترنت لم تعد قادرة على ضبط شهيّتها وتوسّعها إلكترونياً فتخلّت عن حرمة مستخدميها وحقوقهم وخصوصيتهم.
هكذا، يبدو أنّ ما حذّر منه بعضهم مع فورة مواقع «التواصل الاجتماعي» منذ سنوات بات واقعاً: فتح الحدود أمام تبادل المعلومات الشخصية، وكشف الهويات، واستباحة الصور، ورصد الأفراد وتحديد مواقعهم الجغرافية، وأخيراً تسليم المعلومات لمؤسسات حكومية...
ما الذي يجري اليوم في كواليس الصفحات الاجتماعية وأروقة محرّكات البحث الأشهر في العالم؟ غضب بريطاني ــــ أوروبي على «غوغل»، إلى جانب دعاوى قضائية بحق «فايسبوك»، أما «تويتر» فيعهد بكلّ مخزونه إلى «مكتبة الكونغرس»!
في البدء، واكبت انطلاقة الإنترنت في العالم نظريات تفيد بأنّ كلّ حرف نطبعه على شاشاتنا يُطبع على شاشات تابعة للاستخبارات الأميركية. صُنّفت تلك المقولات وقتها في خانة «نظريات المؤامرة» غير الدقيقة والخيالية... المضحكة أحياناً. لكن بعضهم يستعيدها اليوم، وخصوصاً مع فتح معظم «مخازن» المعلومات الشخصية في العالم أبوابها أمام جهات حكومية أو مواقع إخبارية تدور معظمها في الفلك الأميركي الرسمي.
ولعلّ ما قام به أخيراً موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي (حوالى 75 مليون مستخدم) هو أبرز دليل على ذلك. إذ أعلنت إدارة الموقع أخيراً أنّها ستعهد بكل محتواه منذ عام 2006 لمكتبة الكونغرس الأميركية. المكتبة الأكبر في العالم ستؤرشف كل ما ورد على «تويتر» من صور ومعلومات وأحاديث وستضعها في خدمة الشعب الأميركي والكونغرس. وكان اسم «تويتر» قد برز في المنطقة، العام الماضي، مع تحرّكات المعارضة الإيرانية حيث كان وما زال الوسيلة الأفضل لتواصل أعضائها وتغطية تحرّكاتهم.
تدريجاً، تزيل إدارة «فايسبوك» القيود عن تبادل الصور والمعلومات
زميل «تويتر» في عالم التواصل الافتراضي «فايسبوك»، وهو الموقع الاجتماعي الأول في العالم (500 مليون مستخدم) يمعن بدوره في اختراق خصوصية المشتركين. دعاوى قضائية رُفعها بحقّ القيّمين عليه منذ عام 2007 أشخاص استُخدمت صورهم في مواقع أخرى، أو في إعلانات لـ«فايسبوك» من دون علمهم! ولعلّ منتقدي الموقع يجمعون على ما تقوم به الإدارة من حيل وطرق غير مباشرة لرفع القيود تدريجاً عن تبادل الصور والمعلومات. ومعظم المراقبين يلاحظون أنّ وسائل فتح المجال لعرض المعلومات الشخصية وتبادلها مع الآخرين هي أسهل بكثير من «فلترتها» أو التحكم بمستويات الوصول إليها. وقرار وضع سقف لعرض المعلومات الشخصية لدى مستخدم «فايسبوك» يلزم تجديده كل فترة وتعديله بما يتأقلم مع التغيّرات التي تطرأ على الموقع. هذه «الصعوبات» في حماية المعلومات الشخصية جعلت نسبة الذين يعتمدونها من المستخدمين تبلغ 20% فقط.
ومن آخر ابتكارات «فايسبوك» خدمة تجعل لائحة الأصدقاء الخاصة بأي عضو بمتناول كل مستخدمي الموقع، وهو الأمر الذي أثار احتجاجات كثيرة من المستخدمين. لكن الموقع موّه هذه الخدمة بالحديث عن «جعل اللائحة مرئية» من دون ذكر شيء عن «إمكان إعادة استخدامها من جانب الموقع، كونها باتت مباحة للجميع».
وفي آذار (مارس) الماضي، وقع «خطأ» تقني في «فايسبوك» أدّى إلى كشف عناوين البريد الإلكتروني الخاص وصفحات التحادث لملايين المستخدمين لمدة 30 دقيقة كما عطّل تقنية إخفاء عناوين الاتصال لكل مستخدم. وفي الأسابيع الأخيرة، أعلن «فايسبوك» أنه سيسمح لمتصفحين غير مسجلين بالموقع بالاطلاع والتعليق على محتواه بغية توسيع رقعة الانتشار. وهو الأمر الذي دفع إحدى اللجان الأوروبية إلى الاعتراض. لكن القيّمين على الموقع دافعوا عن قرارهم بالإشارة إلى أنّ المستخدمين يتمتعون بحق اختيار ما سيعرضونه للعلن وما سيبقونه مخفيّاً. وبالأمس، أعلن أستاذ في جامعة «هارفرد» أنه اكتشف أنّ «فايسبوك» يعرض على المعلنين كل المعلومات الخاصة بالمشتركين بما فيها الاسم والصورة للإفادة منها في الإعلانات.
لكن ماذا عن «غوغل» محرّك البحث الأول في العالم؟ بعد صعود «غوغل» إلى الفضاء ــــ Google Earth ــــ ثم تغلغل كاميراته في الشوارع والطرق ــــ Google Map و Google Detection ــــ تحوّل محرّك البحث العملاق إلى باحث بنفسه عن صور ومعلومات ومخزّن لها. وجديده هو تخزين بعض المعلومات الشخصية والصور عبر كاميرات الشوارع التي يجول بها على المناطق في معظم الدول الأوروبية، ما أثار غضب بعض اللجان المدافعة عن حقوق المواطنين. لكن الردّ جاء من «غوغل» بأن ذلك التخزين «حصل عن طريق الخطأ» وهو «لم ولن تستخدمها المؤسسة علناً». يُذكر أنّ «غوغل» نفى مراراً أي ارتباط بينه وبين «مكتب التحقيقات الفدرالي» أو أي تعاون معلوماتي بين الطرفين.