في كتابه الصادر بالعربيّة أخيراً، يرصد الصحافي البريطاني سايمون كوبر دور الكرة الساحرة في الثورات والحروب. مع انطلاق المونديال، قراءة في «الكرة ضدّ العدو» الذي يتناول مكانة هذه الرياضة الشعبيّة بامتياز، في سيرة شخصيات مثل مانديلا والقذافي وبرلوسكوني
محمد شعير
أمضى أسامة بن لادن ثلاثة أشهر في لندن عام 1994. في العاصمة البريطانيّة، زار الرجل الأوّل في تنظيم «القاعدة» مؤيدين له وكبار رجالات المصارف. حينها، لم يكن قد أصبح بعد المطلوب الأول في العالم. ذهب يومها لمشاهدة مباريات نادي الـ«أرسنال» البريطاني أربع مرات، واشترى لأولاده هدايا من دكان النادي الشهير. قد يعرف بعضنا أن ابن لادن يحبّ كرة القدم، لكن الجديد في كتاب سايمون كوبر الكتاب الصادر عام 1994، أنها كانت هي العامل الذي جذبه نحو الأصولية! هذا على الأقل ما يؤكده الصحافي والكاتب البريطاني في «الكرة ضد العدو» الذي انتقل أخيراً إلى اللغة العربيّة («مشروع كلمة» / «دار الانتشار العربي»، تعريب خليل راشد الجيوسي).
كان بن لادن واحداً من مجموعة أولاد أقنعهم مدرّس تربية بدنيّة سوري بالبقاء في المدرسة بعد انقضاء اليوم الدراسي من أجل لعب كرة القدم. هكذا تسنّى لهذا المدرّس تلقينهم مبادئه الأصوليّة المتشدّدة. هذه الحكاية واحدة من الحكايات المتعدّدة التي يسردها كوبر في كتابه. أراد هذا الأخير الوصول إلى إجابة عن السؤال الآتي: كيف تسهم كرة القدم في إطلاق الثورات وشحنها؟ للحصول على إجابة مقنعة طاف المؤلّف أكثر من عشرين دولة حول العالم، حاور مئات الشخصيات بين لاعبين، ومسؤولين رياضيين، ومشجعين. في خلاصة استقصائه خرج بنتيجة مفادها أنّ «كرة القدم ليست مجرَّد لعبة». إنّ تأثيرها أعمق بكثير مما يمكن أن نتصوّر، لناحية تأثيراتها على قرارات الأمم وتأجيجها لمشاعر الشعوب.
هكذا، وجد كوبر نادياً رياضياً يصدّر المواد النووية والذهب، وآخر ينشئ جامعة خاصة به. اكتشف أيضاً أنّ اللعبة الأكثر شعبيّة في العالم استغلّتها الديكتاتوريات لإلهاء الشعوب، واستخدمها مناضلون لشرح أفكارهم. هكذا يمكن أن يتجاور موسوليني وفرانكو مع نيلسون مانديلا. «صارت اللعبة تمثّل لغة كونية تدور مصائر ملايين البشر في العالم حولها»، يكتب كوبر. وبحسب وصف النجم البرازيلي الشهير بيليه، فإنها «اللعبة الرائعة التي تؤدي إلى إطلاق الحروب وإيقافها. هذه اللعبة التي كانت سبب الثورات ومحركة شرارتها الأولى، كانت أيضاً سبباً في بقاء كبرى الديكتاتوريات في السلطة».
ليست السياسة وحدها نجمة هذا الكتاب، إذ نغوص في شبكة شاملة حول علاقة اللعبة الشهيرة بالسياسة والاقتصاد والمجتمع والتاريخ والدين. هكذا، يمكن أن ينتقل برلوسكوني من مجرَّد مالك لنادي «ميلانو» إلى رئيس حزب ثم إلى رئيس وزراء. ويمكن أن يفرح نيلسون مانديلا بتتويج جنوب أفريقيا في كأس أفريقيا الفرحة نفسها التي فرحها لخروجه من سجنه الطويل. أن تنجح اللعبة الشهيرة بما فشلت به الأمم المتحدة أمرٌ وارد أيضاً. هكذا، توقّفت الحرب الأهلية في رواندا شهراً لانشغال الأهالي بمباريات كأس العالم.
كرة القدم ليست إلا لعبة من ألعاب السياسة إذاً... يبرهن المؤلّف حجته هذه بحكايات كثيرة. «عندما تم إبعاد مارادونا عن الملعب، توجه 20 ألف بنغلادشي نحو عاصمتهم داكا وهم يصرخون، ستحترق داكا إذا لم يلعب مارادونا». وعندما طلب الرئيس البرازيلي السابق إيتامار فرانكو من المدرب كارلوس ألبرتو اختيار المهاجم رونالدو في قائمة الفريق... لم يكترث المدرّب، وكانت الانتخابات الرئاسيّة على الأبواب. يومها، قرَّر البرازيليون أنهم سيحددون خيارهم الانتخابي عند معرفة الفائز بكأس العالم.
وقبل مونديال 1994 الذي أقيم في الولايات المتحدة، سأل صحافي أميركي أحد مشجعي البرازيل الهايتيين: «من أهم بالنسبة إليك: البرازيل أم الاحتلال الأميركي؟» ردّ الرجل: «نحن جائعون كل يوم، ونعاني المشاكل كلَّ يوم، ويتحدث الأميركيون عن الغزو يومياً. لكنّ كأس العالم يحدث مرّة كل أربع سنوات...»

توقّفت الحرب الأهلية في رواندا بسبب كأس العالم

الساحرة المستديرة تسيطر على العالم كلِّه، فماذا عن العرب؟ يقول المؤلف: «لا تحظى كرة القدم اليوم بأهمية أكثر مما تحظى به في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». وتعود هذه الأهمية إلى نقص وسائل الترفيه الأخرى. لكنّ كل تلك الحماسة للكرة لم ترفع مستوى الفرق العربيّة: «إذا كنت تمنع تبادل اللاعبين مع الغرب، وإذا لم يلتحق لاعبوك بأندية أوروبية، فالنتيجة الحتمية هي كرة قدم رديئة».
يخصص سايمون كوبر فصلاً عن كرة القدم في ليبيا والعراق باعتبار أن «استادات الكرة هي المكان الوحيد الذي يسمح فيه بحرية التعبير». وفي ليبيا تحديداً، قرَّر الساعدي ابن معمر القذافي أن يلعب الكرة، فعيّن لنفسه مدرباً هولندياً، وضخّ أموالاً طائلة من عائدات النفط الليبي لإنشاء نوادي وملاعب. وعندما انضمّ إلى أحد الفرق الليبية، «كان لاعبو دفاع الفريق المنافس يهربون بعيداً عن الكرة من أجل إتاحة الفرصة له للتسديد». في مباريات أخرى، «أصبح الاستاد المكان الأمثل لمن يريد تحدّي رمز القذافي وازدرائه».
وكما بدأه، يختم كوبر كتابه مع حكاية بن لادن أيضاً... عندما ظهر زعيم تنظيم «القاعدة» في شريط مسجل يحكي ذكرياته عن تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر)، قال: «لقد حلمت أننا نلعب مباراة كرة قدم في مواجهة الأميركيين. وعندما ظهر فريقنا في الملعب كان فريقاً من الطيارين!»