حليم الكريم وجنان العاني ومصوّرو مجلّة JO الأردنية يقدّمون في العاصمة الأردنيّة أعمالاً تستدعي تاريخ المنطقة والطبقات الكثيرة التي تغلّفها
عمان ـــ أحمد الزعتري
رفض الفنان العراقي تفسير عمله «أرشيف الشاهد». في باحة «دارة الفنون» في عمّان، ضمن ثلاثة معارض فرديّة افتتحت أخيراً، وقف الحضور مع حليم الكريم (1968) تحت شجرة توت قديمة علّقت بأغصانها صور «نيغاتيف» شخصية. «هوية الشخصيات في أعمالي غير مهمة» يقول الكريم، داعياً إلى رؤية الصور الشخصيّة وهي تتحرّك وتلتفّ مثل أوراق الشجر.
إذاً، لنأخذ بنصيحة الفنان، ولننظر إلى شجرة علّقت عليها صور أشخاص مجهولين، ونستعيد أسطورة «شجرة الأمنيات» التي يعلّق عليها المؤمنون أمنياتهم لعلّها تتحقّق. قد يجد المدنيون في ذلك تأمُّلاً غير معنيين به، لكنه يعني الكثير لشخص لم يجد إلا وجه السماء حين كان فارّاً من خدمة الجيش خلال الحرب الإيرانيّة ـــــ العراقيّة. وقتها، احتضنته غجريّة في الصحراء، وأودعته لثلاثة أعوام في حفرة غطّتها بالأحجار، وأبقت على كوّة ليستطيع التنفس عبرها. تلك التجربة كانت محوريّة في حياة الكريم. في تلك الأجواء، تعلّم ثقافة الغجر، والسحر، والروحانيّة. ومن تلك الحفرة استطاع رؤية المجرّة كلها.
داخل الدارة، عرض حليم الكريم أعمالاً تحت اسم «شاهد من بغداد»: سلسلة لوحات ثلاثيّة لوجوه مشوّشة تعمّد الفنان أن يبقي فقط على عيونها التي تشعّ. هؤلاء هم شهود العنف على حروب العراق. أما تعمُّد إبهام الشخصيات، فجاء كـ«وعد حريّة لم يتحقّق».
تظهر رموز التاريخ في «شاهد من بغداد» بوضوح، منها لوحات مستوحاة من طقوس البلوغ لدى السومريين، حين تتحوّل الفتاة إلى امرأة. هنا يحيل الكريم الفتيات إلى تماثيل مرّ عليها الزمن حتى بهتت، ولم يبقَ من ملامحها سوى عيونها. لوحات أخرى من مراحل مختلفة: امرأة عراقيّة باللباس التقليديّ يغطي جزءاً من وجهها، ثم صدّام حسين بوجهه الملتحي بعد إعدامه. لكنّ ثمة تفصيلاً مهمّشاً: طواقٍ تقليديّة بيضاء تحت كل اللوحات. وبينما يعتقد الزائر أنه فهم امتلاء الطواقي بالجوريّ المجفّف، يصطدم بلغز امتلاء أخرى بالمسامير.
يجمع الكريم إشارات وتأويلات تاريخيّة واجتماعيّة، ويقذفها في وجوهنا دفعة واحدة. أشكال أعماله يغلّفها التصوّف والتأمل، لكنها تصلنا متوتّرة ومشوّشة.
«شاهد من بغداد»... أعماله مسكونة بالتصوّف
يصلنا التشويش نفسه من أعمال البريطانيّة ـــــ العراقيّة جنان العاني، لكن بحدّة أقل يوفّرها الفضول تجاه الشخصيات في أعمالها. سلسلة «الزيارة» المكوّنة من عملي فيديو: «صدى» (1991ـــــ 2004) و«إلهام» (2004)، لا تقدِّم جماليات بصريّة أو حبكات جاهزة. في «زيارة»، تتحدّث أربع نساء عن زائر مجهول في وقت واحد. التشابه الكبير بين نساء الفيديو يشي بأن النساء الأربع هنّ فعلاً امرأتان مرّ عليهما الزمن. بينما يتجوّل هذا الزائر الأنيق في فيديو «إلهام» في الصحراء عبر سبعة معابر معلّمة بضوء الشمس.
بين أعمالها الأخرى، «جماليات الاختفاء»، حيث صوّرت العاني (1966) مشاهد عموديّة لصحراء جنوب الأردن. على جدار كبير، بثّت فيديو «الدليل» الذي يرصد دليلاً يقطع طرقات الصحراء، وثبّتت في طرف الجدار شاشة صغيرة عرضت عليها فيديو «قطيع» يراقب قطيع أغنام وصوراً لمقاطع عموديّة من الصحراء. تأتي هذه الأعمال ردّاً على رؤية الشرق أنه «مشهد طبيعي ريفي غريب خال من الحضارة والسكان». رؤية بدت مكملة لتجربة العاني الفنيّة. في عمل بلا عنوان (1996)، عرضت الفنانة صورة لخمس نساء يكشفن عن أرجلهن، وهن يرتدين الحجاب...
أما المعرض الثالث الأخير، فمجموعة صور التقطها مصوّرو مجلة JO الأردنية خلال إعداد تحقيقات تحت اسم «خطوط الصدع». صور لقاعدة أميركيّة في العراق يسبح في بركتها الجنود، وأخرى لشاب مقدسي يتعاطى الهيرويين، وصورة لتظاهرات في الأردن ضد الهجوم الإسرائيلي على غزة العام الماضي، وأخرى للعمالة المصرية والفيليبينيّة في الأردن... صور ترصد «الشقوق غير المرئية التي تعيش فيها طبقات ثقافية متعددة».

حتى 22 تموّز (يوليو) ـــــ «دارة الفنون» (عمان) ــــ للاستعلام: 96264643251+