خليل صويلحيعتبر هرناندو دي سوتو في «لغز رأس المال» (الهيئة العامة السورية للكتاب ــــ ترجمة حسام الدين خضور)، أنّ سقوط جدار برلين، ليس مجرد تمثيل رمزي لانهيار الشيوعية، بل لحظة فاصلة بين قرن وآخر. وجد العالم نفسه أمام خيار أوحد هو الانخراط في النهج الثقافي للرأسمالية، بوصفها الطريقة العقلانية الوحيدة الممكنة لتنظيم الاقتصاد الحديث. لكن الباحث البيروفي لا يستسلم لمقولات النخبة بعدم الإصغاء إلى «الكلاب النابحة». يرى أنّ العثرة الأساسية التي تحول دون استفادة بقية العالم من الرأسمالية هي «عجز هذه البقية عن إنتاج رأس المال». هناك بالطبع معضلات أخرى تواجه البلدان الفقيرة، أبرزها الهجرات العشوائية إلى المدن الكبرى، وعجز الحكومات عن سن قوانين جديدة تواكب هذه التحولات، والاعتراف برأس مال يعمل من دون غطاء قانوني.
«لماذا تنجح الرأسمالية في الغرب وتفشل في كلّ مكان آخر؟» عنوان فرعي آخر يطرحه هرناندو دي سوتو للإجابة عن أسباب تخلّف اقتصاديات الدول الفقيرة، فيشير إلى جفاف القوانين القديمة التي لم تلتقط ما يجري بدقة في «نادي العولمة». بناء المولات وخدمة الإنترنت ومطاعم الوجبات السريعة، لا تصنع حداثة اقتصادية، وفقاً لما يقول، بل ينبغي الانتباه إلى ما يجري من فساد وفوضى، وتالياً أعمال الشغب والنهب، بسبب عنف الأسواق والقلق من فاشية رأسمالية جديدة... «فانتصار الرأسمالية في الغرب قد يكون وصفة للكارثة الاقتصادية والسياسية ليس إلا».
يسأل دي سوتو: لماذا تنجح الرأسمالية في الغرب فقط؟
لعل تنبؤات دي سوتو التي طرحها قبل عقد، باتت حقيقة في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، إذ طالما تجاهلت الأنظمة الرأسمالية ضرورة وجود عقد اجتماعي عالمي للحد من الفقر وعولمة رأس المال. العولمة التي ظلت فكرة غائمة لمصلحة النخب التي تعيش تحت الغطاء الزجاجي، وهي على أي حال ليست بارتداء أحذية «نايكي» لاختزال المسافات بين طبقة الأغنياء وطبقة الفقراء، كما أن نظرية آدم سميث لن تنتصر منفردة بإغفالها «شبح ماركس»، فإن وسائل الاتصالات وغزارة المعلومات، أسهمتا في زيادة معرفة الفقراء أسباب بؤسهم. وهذه المرارة بسبب التمييز القانوني، تتجه نحو التفاقم، وفي مرحلة ما سيعبّأ هؤلاء الذين خارج الغطاء الزجاجي ضد الوضع الراهن. وينبه المؤلّف إلى أن النهوض المفاجئ للصراعات الإثنية والثقافية في العالم تثبت أنه عندما يكون الناس مستائين، يستمرون في تكوين أنفسهم في طبقات قائمة على «الظلم المشترك». الإحصاءات التي اعتمدها دي سوتو، تؤكد حجم كارثة الفقر التي يعيشها الكوكب من جهة، وازدياد حجم «الترسانة المعادية للرأسمالية والعولمة» من جهة ثانية. أولى الإشارات تأتي من فضائح الشركات المتعددة الجنسيات التي كلما وسّعت استثماراتها، ازداد عدد الفقراء في العالم. وهذا ما يفسّر فشل برامج الخصخصة في دول العالم الثالث، والأنظمة الشيوعية السابقة، بتأثير من أفكار ماركسية كامنة. فقد فهم ماركس جيداً أن «النقود والسلع في ذاتها ليست رأسمالاً بقدر ما هي وسيلة إنتاج وقوام عيش». وينصح دي سوتو بالاستفادة من مفاهيم فلسفية وتمثيلات ثقافية لجعل الرأسمالية «تفكّر ودّياً». ويخلص إلى أنه «ليس الفقراء هم المشكلة، بل الحل»... وإلا فلا تستهينوا بالعصيان المدني والمافيات، لأنها لم تعد ظواهر هامشية في عالم اليوم.