القاهرة ــ محمد شعيرنصر حامد أبو زيد في القاهرة. هذه المرّة، ليس للقاء الأصدقاء والعائلة، كما اعتاد منذ خروجه إلى هولندا في رحلة منفى ثقافي استمرت حتى الآن. صاحب «دوائر الخوف» يرقد منذ أسبوعين فى أحد مستشفيات مدينة السادس من أكتوبر في القاهرة، مصاباً باضطراب فى الوعي، بعد إصابته بفيروس غامض، ويحتاج إلى السفر إلى الخارج للمعالجة. وقد حاولنا عبثاً الاتصال بزوجته ابتهال يونس لمعرفة آخر تطوّرات الحالة، وسؤالها عن إمكان نقله إلى هولندا لتلقّي العلاج غير المتوافر في القاهرة. والليلة سيتمكّن المشاهدون من متابعة حوار مع أبو زيد أجراه معه جوزف عيساوي في وقت سابق، ضمن برنامج «قريب جداً» على «الحرة».
حكاية نصر أبو زيد معروفة: أستاذ جامعة اختار أن يفكّر خارج «الصندوق». قدّم أبحاثه عن المناهج الجديدة في تفسير القرآن لجامعة القاهرة، ولكنّ قناصّة التكفير اصطادوه، واتهموه بأنّه مرتدّ، وأقاموا دعوة للتفريق بينه وبين زوجته مدرّسة الأدب الفرنسي فى «جامعة القاهرة». هكذا بدأت مأساة أبو زيد ..باحث ليس لديه إجابات جاهزة ومعلّبة لكل شيء، بل أسئلة «لن تهدم الدين ولم تخرج عن حدود الإيمان».
حين طرح أبو زيد تلك الأسئلة في أبحاثه عن «الإمام الشافعي»، التي قدّمها للترقّي في الجامعة عام1993، قامت الدنيا ولم تقعد. رأى بعض أساتذة «جامعة القاهرة»، على رأسهم عبد الصبور شاهين أنّ طرد أبو زيد من الجامعة بمثابة «انحسار للعلمانية في الجامعة». من هنا، سارع إلى كتابة تقرير ساخن يرفض فيه الترقية، ويتّهم أبو زيد بالكفر. وبدأ يهاجمه في خطب الجمعة.
باختصار، وجد صاحب «نقد الخطاب الديني» نفسه مطلوباً وكان أمامه خياران: أن يذهب إلى المحكمة ويعلن تراجعه عن أبحاثه التي أثارت الجدل وينعم بالتالي بحماية المؤسسة الدينية. أو يرمي نفسه في أحضان المؤسسة السياسية التي تريد أن تستخدمه في معركتها ضدّ تيارات التأسلم. كلا الحلّين كان سيضمن له الحماية التي افتقدها بعد تكفيره... وكلاهما أيضاً كان اعترافاً منه بالهزيمة أمام محتكري الحقيقة المطلقة والسلطة المطلقة.
اختار نصر حلاً خاصاً به لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وسط هذا المناخ القاتل لخلايا التفكير، حمل حقائبه واتجه إلى هولندا استجابةً لدعوة من «جامعة ليدن». واستمرت رحلة «المنفى الثقافي» أكثر من 15 عاماً لم يزر فيها مصر إلّا نادراً. ورغم أن أبو زيد يكره اعتباره « ضحية» أو «رمزاً» للصراع بين التفكير والتكفير، أو بين الحرية والقمع. فإنه أصبح كذلك بالفعل مثله مثل «ألف ليلة وليلة»، العمل الخالد الذي يريدون تدميره... صلّوا من أجل نصر حامد أبو زيد!

الليلة 23:10 على «الحرّة»