للسنة العاشرة يحطّ رحاله في بيروت

بعد غد، ينطلق صيف لبنان صاخباً في العاصمة، وفي صور وصيدا وطرابلس وزحلة... لامركزية الاحتفالات ندين بها إلى «البعثة الثقافيّة الفرنسيّة» صاحبة المبادرة في تنظيم الحدث مع «سوليدير» وآخرين. الروك بطل الموسم، إلى جانب البوب، والهيب ـ هوب، والصول ـ فانك، والتكنو والكلاسيك

بشير صفير
من الكلام المتداول في عيد العشاق، مقولة أن الحب ليس بحاجة إلى عيد. فالعشاق في حالة حب دائمة، ويوم العيد لا يختلف عن غيره. الموسيقى كالحب. وأحياناً أهمّ. وهي، كما العناصر التي لا معنى للوجود من دونها، لا تحتاج إلى مناسبة لنحتفل بها. فهدف الأعياد عموماً هو التذكير. أما في حالة الموسيقى، فيختلف المعنى، إذ يصبح العيد مسألة تكثيف وتقدير مضاعف وتحية شكر. لذا، يصلح تأويل عنوان يوم 21 حزيران (يونيو) من كل سنة، فيصبح عيد شكر الموسيقى، التي «لولاها تكاد الحياة أن تكون غلطة»، كما لخّص نيتشه نظرته الفلسفية إليها. عندما كانت الموسيقى موسيقى، لم يكن لها عيد. ولمّا بدأ الانحطاط الكبير، أتى العيد كأنّه استعاضة عن خسارة ما. في عام 1982، انطلق العيد من فرنسا بمبادرة من وزير الثقافة الفرنسي آنذاك جاك لانغ. في تلك الفترة، أو بعدها بقليل، كانت أغنية البوب قد بدأت تنذر بالواقع الموسيقي الذي نعيشه اليوم في لبنان والعالم. البوب، بعكس دلالاته الراهنة، هو من أهم الأنماط الموسيقية. هو الذي تقع عليه ـــــ أكثر من أيّ نمط آخر ـــــ مسؤولية الترفيه، والتثقيف، والتوجيه الفكري أحياناً، لأكبر شريحة من الجمهور. لذا فانحدار مستوى أغنية البوب نصاً وموسيقى، أخطر من تأزُّم الموسيقى الكلاسيكية أو الجاز، وغير ذلك من الأنواع التي تتذوّقها، عموماً، النخبة، وهي أقلية في تكوين المجتمع. سيد درويش والأخوان رحباني، مثلاً، هم من فناني البوب العربي خلال القرن الماضي. وبديل هاتين الحالتين الراقيتين اليوم هو معظم ما نسمعه في وسائل الإعلام. لذا، فالنهضة يجب أن تبدأ من إصلاح الأغنية الشعبية. وهذا ما لا يعيه الفنانون



مقطع من "إنتخابات" لفريق الأطرش







الذين يقدمون ما يسمّى اليوم الموسيقى البديلة. لسنا في حاجة إلى موسيقى بديلة بقدر حاجتنا إلى أغنية شعبية جيدة!
وإذا استعرضنا برنامج العيد الذي استجدّ على الروزنامة المحلية في لبنان منذ عام 2001، نلاحظ أن الأغنية الشعبيّة غائبة كلياً. أساساً، الموسيقى الشرقية والأغنية العربية حضورهما مثير للقلق بالنسبة إلى الأنماط الغربية. المشكلة ليست في التنظيم، بل أعمق بكثير من ذلك. المنظّمون يبرمجون الموجود. وإذا راقبنا الموجود عن كثب، فسنلاحظ طغياناً غربيّاً مطلقاً، علماً أنّ الفنّانين اللبنانيين يمثّلون أغلبية ساحقة في البرنامج.
إذاً، مساء الاثنين المقبل سيحتفل لبنان للسنة العاشرة على التوالي بعيد الموسيقى (إذا استثنينا تعثّرات عام 2007). عشرات الأسماء تتوزّع على الساحات والنوادي ومسارح الهواء الطلق، ستملأ أجواء بيروت أنغاماً من مغيب الاثنين حتى فجر الثلاثاء. الجديد هذه السنة هو لامركزية الاحتفالات إذا صحّ التعبير. فالاحتفالات لم تعد تتركّز في الوسط التجاري أولاً، ثم الحمرا والجميزة، كما في السابق. تحيي العيد أيضاً مدن وقرى لبنانية أخرى، مثل صيدا وصور والنبطية ودير القمر وجونيه وطرابلس وزحلة وبعلبك، والفضل لـ«المركز الثقافي الفرنسي»، أي المنظّم الأساسي للحدث، إلى جانب «سوليدير»، ورعاية وزارة الثقافة وتعاون بعض الهيئات.



مقطع من "فلا تحرمني" ليمنى سابا








إلى البرنامج «الرسمي»، إذا جاز التعبير، تضاف فعّاليات خارجة عن نطاق المنظّمين الأساسيّين، بعضها مستقلّ مثل المكتبة العامّة لبلديّة بيروت اللتي تنظّم أمسية مع جويل خوري وفرقتها (الباشورة) وأمسية موسيقى شرقيّة مع مصطفى سعيد وغسان سحاب (الجعيتاوي). وكاتدرائية مار يوحنا مرقس في جبيل (أمسية عزف منفرد على البيانو مع رامي خليفة)، وغيرها. وبعضها الآخر بدعمٍ من القيّمين على العيد، مثل مجموعة من النوادي الليلية البيروتية التي أعدّت برنامجها الخاص. وفي الإطار ذاته، تشهد الشوارع المتفرعة من الوسط التجاري مواعيد فنية، قد يقع عليها المحتفلون في طريقهم إلى الأماكن.

هل تُعلَن 2011 سنة عاصي الرحباني بعد ربع قرنٍ من رحيله؟
هكذا تستقبل الحمّامات الرومانية (بدءاً من الثامنة مساءً) مجموعة فنانين يقدمون الأغنية الفرنسية، البوب، الهيب ـــــ هوب، الصول ـــــ فانك... أمّا مبنى الـ «دوم» (بدءاً من التاسعة مساءً)، فيخصّص برمجته حصراً لمحبّي الموسيقى الإلكترونية والتكنو مع مجموعة Dj's، إضافةً إلى عروض فيديو حيّة (Vj's). في أسواق بيروت (بدءاً من الثامنة مساءً) ستكون الحصة الأكبر للروك والبوب، وبعدهما موسيقى الراب. كذلك هي الحال بالنسبة إلى ساحة الشهداء (بدءاً من الثامنة مساءً) التي يستهل سهرتها الراب، وبعده الروك والبلوز ـــــ روك وغير ذلك من النكهات.
وبما أن الروك هو محور البرمجة هذه السنة، فستكون له المساحة الأكبر في «حديقة سمير قصير» (بدءاً من الثامنة مساءً)، إلى جانب الموسيقى البرازيلية والفولك الغربي... أما المركز الأخير لاحتفالات عيد الموسيقى، فيضم ثلاث كنائس بيروتية (بدءاً من السادسة مساءً) هي مار لويس الكبوشي، مار جرجس والكنيسة الإنجيلية، التي تحتكر الموسيقى الكلاسيكية بمختلف أشكالها (كورالية، أوركسترالية، عزف منفرد...).
21 حزيران/ يونيو تصادف أيضاً ذكرى عاصي الرحباني، أبي الموسيقى، الذي رحل في عيد الأب وعيد الموسيقى. فهل تُعلَن 2011 سنة عاصي، بعد ربع قرن من رحيله؟