محمد خيركان الملحّن محمد سلطان هو من قدّم الشاعر الراحل محمد حمزة إلى المطربة فايزة أحمد، فغنت له أغنيته الأولى «أؤمر يا قمر» في عام 1963. لكن بليغ حمدي هو مَن صنع من حمزة أحد أهم كتّاب الأغنية العربية. لم يقدم بليغ لحمزة الفرصة فقط، بل شاركه تجربة طويلة كان عبد الحليم حافظ أبرز محطاتها، وإن كانت المحطات الأخرى بقدر شادية ووردة الجزائرية ومحمد رشدي وغيرهم...
كتب حمزة أكثر من ألف أغنية، وهو رقم هائل لكنه ليس شاذاً وسط أبناء جيله والسابقين عليه، من أمثال حسين السيد، وفتحي قورة، ومرسي جميل عزيز.
كتب أكثر من ألف أغنية بعدما عرف النجاح الكبير مع عبد الحليم
والسؤال هنا: هل كانت موهبة حمزة بقدر موهبة هؤلاء؟ ستبقى تلك نقطة خلاف ووقفة لتأمل النجاح الفائق الذي كان شرطه ارتباط حمزة ببليغ حمدي، بينما لم يشترط لنجاح حمدي أن يرتبط دائماً بحمزة، وخصوصاً عند تذكّر أن عبد الحليم منح الفرصة لمحمد حمزة في إطار منافسة محتدمة. منافسة خلقها شاعر صاعد آنذاك مطلع الستينيات هو عبد الرحمن الأبنودي. الشاعر الصعيدي الفائق الموهبة منح الصوت الخلاق محمد رشدي عدداً من أروع أغنياته وأنجحها، أشهرها «وهيبة» و«عدوية». وقد نجح العندليب في استقطاب الأبنودي في ما بعد، لكنه قبل ذلك وخلاله، غنّى 37 أغنية من كلمات محمد حمزة خلال أربعة عشر عاماً، معظمها من ألحان بليغ حمدي مثل «سواح»، و«مداح القمر»، و«أي دمعة حزن»، و«حاول تفتكرني» و«فدائي». لكن بعضها الآخر كان من ألحان آخرين مثل «نبتدي منين الحكاية» التي لحنها محمد عبد الوهاب، و«خدني معاك يا هوى» التي لحنها كمال الطويل.
الطريف أنّ بليغ حمدي نفسه الذي لحّن بعض أغنيات الأبنودي لمحمد رشدي، قد استكتب حمزة عدداً من أشهر أغنيات المنافس الشاب، فكتب حمزة لرشدي أغنيات منها «ع الرملة»، و«متى أشوفك»، و«طاير يا هوى»، و«الخيزرانة»، وهي أغنيات تبدت فيها شعرية نادرة قل أن تشهدها أغنيات حمزة لعبد الحليم، وفي ذلك علامات استفهام عديدة.
ولم يكن حمزة قد أتم منتصف عشرينياته عندما عرف النجاح الكبير مع حليم، فترك دراسة الفلسفة في «كلية الآداب» ولم يعد لاستكمالها إلا عندما أتم الأربعين من العمر. وكان «العندليب الأسمر» قد رحل آنذاك لتخفت معه شهرة الشاعر الغزير الإنتاج، لكنه ظل يعمل في ظروف أصعب مع صعود موجات الغناء الجديدة في الثمانينيات. لقد انتهى عهد رومانسية حليم ورحلت فايزة واعتزلت شادية بعدما غنت له، من ألحان بليغ، «يا حبيبتي يا مصر»، و«خلاص مسافر» و«آخر ليلة». ثم كان رحيل بليغ نفسه ضربة كبرى لوجود حمزة وانتشاره. إذ يكفي أنه كان العنصر الشعري الأبرز في مشروع بليغ ــــ وردة الجزائرية. وقد كتب للزوجين أشهر أغنياتهما، مثل «حكايتي مع الزمان»، و«بلاش تفارق»، و«أنده عليك»، و«مالي» و«العيون السود».
لم يتوقف حمزة يوماً عن الكتابة، ولكن في سوق وجد نفسه فيها غريباً، تابع الوجود من خلال أغنيات لأصالة (سامحتك)، وهاني شاكر (اللي اختار)، وشريفة فاضل (قمر 14). لكن الأغاني التي خلّدت اسمه ظلت ابنة نهايات العصر الذهبي، أي عقدي الستينيات والسبعينيات... وتلك هي الحقيقة الوحيدة التي لا يختلف فيها حمزة عن أبناء جيله.