شوقي عبدالأمير *مرّة أخرى، يحدث أن يرفض اتحاد الكتّاب العرب قبول الاتحاد العراقي في عضويّته.
كنت قد تطرّقت إلى هذا الموضوع في رسالة إلى رئيس الاتحاد، الكاتب محمد سلماوي، نُشرت في «الحياة» قبل عام، عندما رُفِضَ طلبُ العراق للمرة الأولى. وقد التقيت أخيراً الصديق محمد سلماوي في القاهرة وتداولنا في شأن عودة العراق، وأخبرني شخصيّاً بأنه لم تعد في الأمر إشكالية سوى إعادة الانتخابات، وأن الهيئة الجديدة لاتحاد أدباء العراق ستُقبل عضويتها.
وبالفعل، تمّت الانتخابات الأخيرة بطريقة ديموقراطية لا تشبه أي انتخابات في الكثير من الدول العربية كسوريا وليبيا وغيرهما، حيث يعلم الجميع «تسامي الديموقراطية الشفافة» في انتخابات هذه الاتحادات... ولكن حصل أن فَرضتْ هذه الدول نفسُها من جديد رفضَ العراق، كما تحدثت عن ذلك الصحافة العربية.
إنني أفهم تماماً رفض هذه الدول التي تسيطر على اتحاد الكتّاب العرب كما كان أدباء صدام حسين يسيطرون عليه ويرفضون الأدباء الأحرار العراقيين.
ليس هناك أيّ تناقض في الصورة، وهم أوفياء لدولهم وأسيادهم.
إن النقطة الوحيدة العسيرة على الفهم، هي أن جامعة الدول العربية قد أعادت المياه إلى مجاريها، وعاد العراق دولةً ككل الدول العربيّة إلى أكبر مؤسسة عربية مشتركة، إلّا أن اتحاد الأدباء يزايد الآن على الجامعة العربية... إن ذريعة الاحتلال لم تعد مقنعة، وخصوصاً بعد مواصلة الانسحاب الأميركي وموقف كل القوى السياسية العراقية منه التي تصرّ على انسحابه، بما في ذلك أميركا نفسها. وهذا ما يحصل بالفعل، علماً بأن القوات الأميركية لا تحتل بهذا المعنى العراق فقط، بل هي في الخليج بكل أساطيلها، وفلسطين هي الأخرى محتلة.
صار جلياً أن مبرر الاحتلال ليس إلّا قناعاً لموقف معارض، في العمق، للتوجه الديموقراطي التحرري المتجذّر في عراق اليوم. وهو ما لا يخفى على كلِّ متأمّل في واقع الثقافة العربية وعلاقتها بالسلطة السياسية.
ولهذا، فأنا أدعو أدباء العراق بالأحرى إلى رفض الانتماء إلى هذا الاتحاد. بكل بساطة، يجب أن يفهم الاتحاد العراقي أنه يكسب كلما ابتعد عن هذه الحظيرة...
إن تجربة العراق الدامية اليوم من أجل الحرية والديموقراطية، تضع أمام أدباء العراق أسئلة كبرى لا أعتقد أنها يمكن حتى أن تفهمها الاتحادات السلطوية التي تتكدّس على مقاعد الاتحاد العربي.
على أيّ حال، لم يقدّم اتحاد الأدباء العرب للعراقيين شيئاً سوى احتضانه لأكبر طاغية في تاريخ العراق، وقد كان الابن المدلل الذي رعاه شفيق الكمالي طيلة إقامته كوزير لثقافة صدام حسين قبل أن يغتاله هذا الأخير. إذاً، حسناً فعلوا أنهم لم يقبلوا العراق، وقد كانوا صادقين. ولهذا أنا أؤيّد اتحاد الكتّاب العرب برفضه الاتحاد العراقي، وليستمر بهذا الرفض.
لا تُستوفى صفة العروبة باستعمال اللغة فقط، إننا لا نسير باتجاه واحد.
لقد دفعنا وندفع كل يوم فاتورة الدم والرعب والعذابات من أجل بناء عراق حرّ وديموقراطي. هذا وحده يكفي أن يكون التحدي الأكبر لكل قلم عراقي يطمحُ إلى أن يواكب ويضمّخ ريشته بهذا المداد...

* شاعر عراقي