بيار أبي صعبتشهد الساحة الإعلاميّة في لبنان، منذ بعض الوقت، ظاهرة مقلقة وخطيرة على الحريّات العامة. لقد قرّر أبناء منصور الرحباني وورثته ومكمّلو مدرسته، أن يخوضوا نوعاً من «صيد الساحرات» ضدّ الوسائل الإعلاميّة التي تنتقدهم ـــــ عن خطأ أو عن صواب ـــــ أو تتناول موضوع التركة الرحبانيّة من زاوية لا تعجبهم. واهتدى «الرحابنة الجدد» إلى طريقة مبتكرة، هي تسخير حق الادعاء لكمّ الأفواه، ومنع النقاش في قضايا أساسيّة تعني الرأي العام وتشغله وتطاله في الصميم، مثل محاصرة فيروز ومنعها من الوقوف على المسرح، على خلفيّة مطالب ماديّة مهما كانت!
كنا نتمنّى أن يردّوا على الانتقادات في الإعلام
المغالطات والاتهامات والإساءات الواردة في وسائل الإعلام، حلّها بسيط من خلال «حقّ الردّ» الذي يضع النقاط على الحروف، ويعيد الأمور إلى نصابها. هذا هو العرف في الدول المتحضّرة. في حالات قصوى، قد يلجأ الطرف الذي يعتبر نفسه مغبوناً، أو ضحيّة قدح وذم، إلى محكمة المطبوعات، لغسل كرامته أو التعويض عن الاساءة التي تعرّض لها. أما أبناء منصور، فقد اهتدوا إلى وصفة جديدة: العمل على مصادرة حريّة التعبير، منعاً لنشر ما لا يعجبهم من نقد ومعلومات ووجهات نظر، وما لا يتناسب مع مصالحهم أو ينسجم مع مواقفهم. هكذا طالبوا القضاء (الذي رد طلبهم) بمنع بث حلقة من برنامج مباشر على التلفزيون، لأنها قد تتناول «الرحابنة» من زاوية لا تعجبهم، كما حدث مع الـ Mtv («الأخبار، 22 الجاري). وهم يحاولون الآن منع مجلّة «الجرس»، وجريدتي «الحياة» و«الأخبار»، «من نشر أي أخبار أو معلومات تتعلّق بالرحابنة وإرثهم بشكل عام، ولا سيما منصور وعاصي الرحباني (...)»، كما ورد في طلبهم المرفوع إلى قاضي الأمور المستعجلة بتاريخ 21 الجاري. هل سيأتي يوم قريب يمنعنا التريو من الكتابة عن أعماله خوفاً من أن ننتقدها؟
كنا نتمنّى على مروان وغدي وأسامة الرحباني، أن يردّوا في الإعلام على الانتقادات الموجّهة إليهم، فتلك هي الوسيلة الديموقراطيّة الوحيدة، ونحن نرحّب بنشر وجهة نظرهم وسنعطيها موقع الصدارة. عندما أعددنا ملفّنا في ذكرى عاصي (21/ 6)، عرضنا على أسامة أن يوضح للقراء خلفيّات تعطيل عرض «يعيش يعيش» في الـ«كازينو»، فواجه طلبنا بسلبية. ليت أبناء منصور يوضحون على الساحة العامة دوافع الخطوات التي قاموا بها ازاء فيروز، واستنكرها كثيرون من عشّاق السيّدة، بدلاً من منعنا من الكلام ومن السعي إلى ممارسة رقابة غير مباشرة على الإعلام. ليتهم يملكون ما يكفي من المرونة، كي يبذلوا جهداً لاقناع الناس بمنطقهم وشرعيّة قضيّتهم. أليس هذا دليلاً على احترام الجمهور؟ فهل ننسى أننا لسنا هنا أمام خلافات خاصة حول تركة عائليّة؟ أعمال الرحابنة التي تماهت مع صوت فيروز وشخصها، تراث غير مادي هو ملك لبنان والعرب والإنسانيّة. ولنا الحق في أن ندافع عنه على هذا الأساس، بعيداً عن الحسابات والمصالح الشخصيّة التي يحفظها القانون بطبيعة الحال.