عشرة مدونين سوريين وعشرة إسرائيليين اجتمعوا على موقع واحد لمناقشة نقاط الخلاف بين الطرفين بحثاً عن «السلام». وقد أثار هذا المشروع المشبوه ردود فعل غاضبة في الشارع السوري
دمشق ــ وسام كنعان
طيلة السنوات العشر الأخيرة، ظلّت القيادة السورية تتباهى برغبتها في الوصول إلى سلام عادل وشامل مع إسرائيل. لكنّ هذه الجهود كانت تذهب غالباً أدراج الرياح، لتدخل عملية السلام في سبات عميق، رافقه تصعيد الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وفلسطين. لكن المفاجأة أتت من حيث لا يتوقّع أحد، وأعلنت عن بدء حوار مباشر بين السوريين والإسرائيليين من دون شروط مسبقة لتفنيد المشاكل التي تواجه تحقيق السلام! وقع الخبر كالصاعقة على الشارع السوري، بعدما نشره موقع «كلنا شركاء» المحجوب في سوريا. لكن الدهشة تبدّدت بعد الاطلاع على تفاصيل الخبر. وتبيّن أن هذا الحوار يدور بين عشرة مدوّنين سوريين وعشرة إسرائيليين. وأتى هذا الحوار استجابةً للإعلان الذي أطلقه الكندي من أصل سوري كميل طرقجي تحت عنوان «شرق أوسط واحد». ورغم أن الإعلان وضع روابط لمدوّنات سورية يفترض أن أصحابها هم من يشاركون في هذا الحوار، لكن بعضهم كذّب خبر مشاركته في الحوار.
كذلك، ذكر الإعلان أسماء صحافيين، ومحللين سياسيين سوريين سارع بعضهم إلى نفي مشاركته كعبد السلام هيكل، وسامي المبيض، ورئيس تحرير مجلة «فوروورد» زياد حيدر. وقد أوضح هؤلاء في ردهم بأنهم طلبوا من طرقجي إزالة أي روابط خاصة بمؤسساتهم على موقع مشروع «شرق أوسط واحد». وطبعاً، لم يفاجئ هذا النفي أحداً، وخصوصاً أن السياسة السورية الداخلية تتعامل بحزم شديد مع هذه المواضيع.
مع ذلك، أعلن أحد المدوّنين السوريين المشاركين في الحوار أنه يشكر الرئيس السوري بشار الأسد والحكومة، لتعاملهما الإيجابي مع المشروع، لأنّه لم يُلجأ إلى حجب المواقع وتخوين النشطاء، بل ظلت المواقع التي تنشر أخباراً عن هذا الحوار متاحة.
هكذا حظي حوار المدوّنين السوريين والإسرائيليين باهتمام واسع من وسائل إعلام دولية مثل صحيفة «غارديان» التي أكدت أن الحوار تمخضت عنه 20 نقطة خلافية تقف في وجه عملية السلام أوضحها السوريون، و20 نقطة أخرى لدى الإسرائيليين. كما أوضحت الصحيفة البريطانية أن الحوار جرى طيلة ثمانية أشهر على موقع إلكتروني لا يمكن الدخول إليه إلا للمشاركين. أما الخطوة اللاحقة للحوار بحسب الصحيفة، فستكون دعوة لصانعي القرار والمسؤولين من الطرفين لإطلاق الحوار مجدداً. وغابت أسماء أي من المشاركين عن الصحيفة البريطانية والوسائل الإعلامية الأخرى التي اهتمت بالخبر.
أما في سوريا، فلم يصدر أي تعليق رسمي سوري على المشروع. فيما قال مصدر في وزارة الإعلام السورية لـ«الأخبار» «إنّ مثل هذه المشاريع لن تقدم أي شيء يذكر لعملية السلام الحقيقية، ولن يتحقق سلام مع إسرائيل في ظل عقليّتها التي تعتبر السلام خطراً على وجودها وتبني كيانها على العنف والحروب».
ونفى المصدر أن يكون هناك أي اطّلاع لوزارة الإعلام السورية على المشروع، أو حتى أي اهتمام بأسماء المدوّنين المشاركين، واعتبر أن الأمر برمته لا يتجاوز كونه مجرد دعاية ترويجية لمن يقف وراءه.
من جانب آخر، ورغم الغموض الذي يحيط بمشروع الحوار، إلا أنه تردّد أنّ علاقات وطيدة تجمع كميل طرقجي، وشخصيات سورية بارزة. لكن هذا الأمر لم ينقذه من بعض الاتهامات التي ساقها ضدّه عدد من الكتّاب والصحافيين السوريين. واعتبر هؤلاء أن الموقع مشبوه بسبب عنوانه «شرق أوسط واحد». وأضافوا أنّ المشروع هو شكل جديد من أشكال التطبيع الخطير مع إسرائيل. كذلك، رفضت آراء أخرى التعامل مع طرقجي كما يُتعامل مع السوريين كونه يحمل الجنسية الكندية، ويظهر تعاطفاً وميلاً للتطبيع مع إسرائيل يبدو جلياً

نفى عدد من الصحافيين مشاركتهم في المشروع

حظي حوار المدوّنين السوريين والإسرائيليين باهتمام صحيفة الـ «غارديان»
من خلال مقالاته التي تنشرها صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية.
وتبقى أسئلة عدة مطروحة عن حقيقة هذا التقرّب السوري ــــ الإسرائيلي الإلكتروني وأهدافه وخلفياته. وحتى لو تعاملنا مع الموضوع بـ«براءة» وافترضنا أنّ كميل طرقجي يبحث حقاً عن السلام، فهل من يصدّق أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تريد الهدف نفسه؟ أم أن مخططها الأول والأخير هو تدجين الأنظمة والشعوب العربية لإبعاد أي خطر يهدّد وجودها؟
أسئلة كثيرة تطرح لكن يبدو أنها لا تقلق النظام السوري الذي يبدو موقفه واضحاً. إذ نقل أحد المواقع الإلكترونية تصريحاً عن لسان مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان تحدّثت فيه عن سبب حجب الحكومة السورية موقع «فايسبوك». وقالت إن السبب هو رغبة بعدم اختلاط الشباب السوري مع الإسرائيليين.
إذاً يمكن القول إنّه رغم رحابة الصدر التي تتصرف بها الحكومة السورية تجاه مشروع «شرق أوسط واحد»، إلا أن هذا النوع من الحوار يبدو غريباً عن الشارع السوري، وعن حكومته.
من جهة ثانية كانت السلطات السورية قد حجبت موقع «فايسبوك» الشهير عام 2007 تحت حجة «منع تسلّل الإسرائيليين». غير أن هذه الحجة لم تقنع السوريين، إذ بدا واضحاً أن السبب الرئيسي لهذا الحجب كان انزعاج السلطة من بعض المقالات والكتابات المعارضة التي كانت تنشر على الموقع، وتوقّع بأسماء مستعارة.
غير أن مصادر سورية صرّحت في ذلك الوقت لوسائل الإعلام بأنّ عدد الإسرائيليين الذين يدخلون على الصفحات السورية على موقع التواصل الاجتماعي الأشهر في العالم، بدأ يزداد. وهو ما يمثّل خطراً على الشباب السوريين.