احتفال شعبي يعيد الاعتبار إلى العربيّة التي يحتقرها شبان اليوم، أو يخجلون منها في أفضل الأحوال. خلف بهجة العيد، تقف جمعية «فعل أمر» و«مؤسسة الفكر العربي» لدقّ ناقوس الخطر: لا مستقبل من دون لغة

زينب مرعي
الأحرف العربيّة المتدليّة من الجسور في بيروت وحولها، والمتربّعة منذ أيّام على لوحات الإعلانات في الفضاء العام، جاءت تمهّد للحدث. ها هو المهرجان يأخذ مواقعه في المدينة، ويعيد اسملاك فضاءاتها. إنّه أول «مهرجان للغة العربية» ينظّم بمبادرة من جمعية «فعل أمر» وبالاشتراك مع «مؤسسة الفكر العربي»، تحت شعار «نحن لغتنا». بين الثامنة من صباح اليوم والحادية عشرة ليلاً، سيعيش شارع الحمرا في بيروت، يوماً «عربيّاً» طويلاً... برنامجه الحافل يدور حول لغة الضاد... وآليات احيائها واعادتها إلى الحاضرة التي استوطنتها الركاكة والهجانة والرطانة تحت وطأة الموضة، وأشكال الاستلاب المستشرية في أوساط الشباب. 150 فناناً سيشاركون في الحدث الذي تتخلّله معارض كتب، وعروض مسرح وحكواتي ورقص معاصر، وموسيقى، وتشكيل، وفيديو، وأدب وشعر.. كلّ ذلك باللغة العربية حصراً.

البرنامج أعدّ خصيصاً للمناسبة، وفق رئيسة جمعيّة «فعل أمر» سوزان تلحوق، وهي تتمحور حول علاقة الإنسان بلغته الأم. يشارك الشاعر والمخرج (وزميلنا الستابق) علي زراقط مثلاً بفيديو «كلام من ضوء»، إلى جانب أحمد غصين الذي يشارك بفيديو «يملي ويضحك». بينما تقرأ سوزان تلحوق، وغسان جواد، ومازن معروف من أشعارهم. غازي عبد الباقي، ومنير الخولي، وتانيا صالح، و«كورال الفيحاء» وغيرهم سيحييون البرنامج الموسيقي لهذا النهار الإحتفالي. فيما تُقدَّم عروض المسرح والرقص المعاصر في «مسرح المدينة»، منها «مجموعة برندا»، و«كلمة وردّ غطاها»، و«عربي بالمشبرح».
بالنسبة إلى سوزان تلحوق، فإنّ المهرجان هو بمثابة «دقّ ناقوس الخطر» أمام تقهقر لغة الضاد. هذا الهاجس كان وراء تأسيس جمعيّة «فعل أمر» عام 2009 («الأخبار» ـــ 16 ك2/ يناير 2010). وقد أخذت الجمعيّة الشابّة على عاتقها «نشر الثقافة العربية والحفاظ عليها كلغة وتراث إلى جانب ربط إنتاج الشباب بالإنتاج الإبداعي الثقافي».

اللغة الأم من حصون المقاومة الحضاريّة في وجه العولمة

ثم التقت «فعل أمر» مع «مؤسسة الفكر العربي» في مشروعها «عربي 21» أو «مشروع الإسهام في تطوير تعلّم اللغة العربية» الذي أطلقته المؤسسة الشهر الماضي. ويركز المشروع على تغيير التوجهات لدى الأطفال والناشئة تجاه اللغة العربية، بحسب الأمينة العامة المساعدة في المؤسسة منيرة الناهض. كما تأتي مبادرة دعم اللغة العربية في إطار السعي لتحقيق أحد الأهداف الأساسيّة للمؤسسة وهو «اعتبار اللغة العربية أحد أهم حصون المقاومة الحضاريّة».
تعتبر «فعل أمر» و«مؤسسة الفكر العربي» أنّه ينبغي للمؤسسات الرسميّة والخاصة في العالم العربي أن «تتكاتف لدعم لغتها كأحد عناصر الهويّة في زمن العولمة». وتلفت سوزان تلحوق إلى ظاهرة خطيرة «وهي خجل الشباب العربي بلغته الأم، وعدم إيلائها الأهميّة اللازمة في المؤسسات وأماكن العمل».
ويلاحظ سليمان عبد المنعم، الأمين العام لـ «مؤسسة الفكر العربي»، غياب «أي جهد عربي منظّم لجعل اللغة العربية تواكب تطورات العصر. مثلاً، فإنّ آخر تحديث للمعجم «الوسيط» الصادر عن «مجمع اللغة العربية» في القاهرة، جرى في الستينيات». عوامل تضعف كثيراً موقع اللغة العربيّة، وتحثُّ الشباب على اللجوء إلى اللغات الأجنبيّة خصوصاً في الإختصاصات العلميّة. من هنا، يعتبر عبد المنعم أنّه «يجب أن نبدأ عملاً حثيثاً لتطوير لغتنا، من دون أن يتعارض المشروع مع استخدام اللّغات الأجنبية، بل على العكس. إذ إنّ الفجوة المعرفيّة التي تفصل بيننا وبين الغرب حالياً، تحتّم علينا إتقان اللغات الأجنبيّة شرط ألاّ يكون ذلك على حساب اللغة الأم».
لكن للمشكلة أيضاً جذور أعمق، تبدأ تحديداً في المؤسسات التربويّة والتعليميّة التي تبدو كالحلقة الأضعف في سلسلة الحفاظ على اللغة. طرق تعليم العربية بحسب المستشارة الدائمة لمشروع «تعلّم اللّغة العربية» في «مؤسسة الفكر العربي» هنادا طه، «ما زالت تعتمد على الأستاذ كمحور للعمليّة التعليميّة، وعلى الحفظ والكتاب المدرسي المقرّر. في حين أثبتت الأبحاث أن الطرق الفضلى لتعلّم اللغات هي عبر إثارة النقاش... إننا نخسر أجيالاً كثيرة بسبب طريقتنا التقليديّة في التعليم».
ألى جانب المؤسسة التربويّة المتقاعسة، تأتي وسائل الإعلام لتساهم بشكل أساسي في تشويه اللغة العربية وفق سليمان عبد المنعم. إذ إنّ عدداً من «الفضائيات العربيّة يعتمد العاميّة عوضاً عن اللغة الفصحى، والإعلانات المزروعة في شوارعنا تخاطبنا بمعظمها باللّغات الأجنبيّة». الخطوة الأولى على طريق الحلّ بالنسبة إلى «مؤسسة الفكر العربي»، هي في مشروع «عربي 21» الذي يحاول تبنّي مفاهيم تربوية عالميّة، تتعلّق باللّغة العربية وتعميمها. هذا المشروع، إضافة إلى مهرجان «نحن لغتنا» الذي تطمح «فعل أمر» إلى جعله محطة سنويّة، هما صرخة لإنقاذ لغة الضاد... علّ جمعيات ومؤسسات أخرى تتلقفها وتنضم إلى هذه الحملة التي تحتاج إلى الاستمراريّة والانتشار، وإلى كثير من الجهد والصبر، من التخطيط والتفكير والعمل الميداني.

«نحن لغتنا» من الثامنة صباح اليوم حتّى الحادية عشرة ليلاً ـــ شارع الحمرا ــــ للإستعلام: 71/386042


برنامج للأطفال

«مهرجان اللغة العربية» يستهدف أساساً الشباب والأطفال. إذ يريد أن يكرّس في لاوعي الطفل، صورة عن الإبداع بلغته الأم. يشمل «نحن لغتنا» برنامجاً موازياً للأطفال ينتهي عند السابعة مساءً ويتخلله «سباق الأحرف» (الثامنة صباحاً، قرب «مسرح المدينة»)، وافتتاح معرض للكتب مختصّ بكتب الأطفال، توزع بعض الدور خلاله كتباً مجانيّة. كذلك تنظّم هذه الدور أنشطة يتخلّلها عرض خاص بالخط العربي. عند الحادية عشرة، يقدّم الفنان جمال كريّم عرض «جنكوز» عن اللغة العربية وجمالها، بينما يقدّم المخرج كريم دكروب مسرح الدمى «يلّا ينام مرجان» (17:30، «المدينة»). وتشارك «جامعة البلمند» في أنشطة ثقافية تعتمد طرقاً إبداعية مبتكرة في «محترف مع جامعة البلمند» (الثانية بعد الظهر). بالإضافة إلى عروض حكواتي وغناء وموسيقى بينها «كورال اللغة العربية» (17:15، «المدينة») .