ارتفعت في بيروت أصوات تطالب D.J. Tiesto بإلغاء حفلته الإسرائيليّة، عشيّة زيارته إلى لبنان. هل خطاب المقاطعة شعبويّ وعنيف، كما يؤكّد فرسان الليبراليّة؟
سماح إدريس*
«لقد استجاب فنّانون كثيرون، وفرقٌ فنيّةٌ عديدة، نداءَ المجتمع المدنيّ الفلسطينيّ عام 2005 من أجل مقاطعة إسرائيل وسحبِ الاستثمارات منها وفرضِ العقوبات عليها، بسبب احتلالها، وممارستِها التمييزَ العنصريّ (الأبارتهايد)، وحرمانِها [اللاجئين] الفلسطينيين حقَّهم في العودة إلى بيوتهم على ما تنصّ قراراتُ الأمم المتحدة نفسُها. بيكسيز، وغوريلاز ساوند سيستم، وألفيس كوستللو، وغيل سكوت ــــ هيرون، وكارلوس سانتانا، وبونو/U2، من بين آخرين، امتنعوا عن تقديم عروضهم في الكيان المغتصب».
هذا ما جاء في رسالةٍ وجّهتْها أخيراً مجموعةٌ من الناشطين (مجلة «الآداب»، و«حملة مقاطعة داعمي إسرائيل»، و«الحملة اللبنانيّة لمقاطعة الصهيونيّة»، و«حملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها ــــ لبنان»، و«الطلبة السوريّون القوميّون الاجتماعيّون»، وقطاع الشباب والطلاب في «حركة الشعب»، و«اتحاد الشباب الديموقراطيّ»، و«مركز حقوق اللاجئين ــــ عائدون») إلى دي. دجاي. تييسْتو، القادم إلى لبنان لإحياء حفلة فنيّة في 3 تمّوز (يوليو)، تدعوه فيها إلى الاقتداء بالفنّانين والفرق الموسيقيّة أعلاه، والامتناع عن تقديم عرض فنيّ في دولة الإجرام الصهيونيّ عشيّة سفره إلى لبنان.
وعزت الرسالة طلبَها إلى أنّ عرض تييسْتو هناك سيُعتبر «دعماً تحتاجه هذه الدولةُ لمواجهة عزْلتِها العالميّة المتصاعدة»، ولا سيّما بعد الجريمة التي اقترفتْها في عرض المياه الدوليّة ضدّ أسطول الحريّة. ولخّص معدّو الرسالة أبرزَ جرائم إسرائيل في لبنان منذ 1948 (قتل، وتهجير، واحتلال، ومنع فلسطينيي لبنان من العودة إلى ديارهم في فلسطين خلافاً لقرارات الأمم المتحدة، وسرقة مياه وزرع قنيبلات عنقوديّة...).
وبعدما أكّدوا «تقديرَهم» لفنّ تييستو، صارحوه بأنّ لبنانيين كثراً لا يستطيعون الاستمتاعَ بهذا الفن، حين يروْن صاحبَه يتجاهل عذاباتهم الناجمة عن عدوان إسرائيل المتكرر على أرضهم وانتهاكها حقوقهم. وأنهوا الرسالة بالجملة الآتية: «إننا نحثّكم، يا دي. دجاي. تييسْتو، على ألا تسمحوا بتحويل فنّكم إلى وسيلة لتبييض صفحة جرائم هذه الدولة المارقة».
هذه الرسالة كانت نتيجة سلسلة لقاءات عقدها هؤلاء الناشطون، واتفقوا فيها على أن يتبنّوا السبيلَ الأخلاقيّ الذي اعتمدتْه «حملةُ مقاطعة إسرائيل وسحبِ الاستثمارات منها وفرضِ العقوبات عليها»، وهي حملةٌ أطلقها المجتمعُ المدنيّ الفلسطينيّ بغالبيّة قواه ومؤسّساته عام 2005 وأصبحتْ عالميّة التأثير. يُذكر أنّ هذا السبيل قد بات جزءاً من اللغة السائدة لدى عشرات الآلاف ــــ طلاباً وأكاديميين ورياضيين وموسيقيين وعمّالَ مرفأ وأتباعَ كنائس... ــــ وخصوصاً في جنوب أفريقيا وإيرلندا وبريطانيا وكندا وفرنسا وإيطاليا. كما أنّ شخصيّات عالميّة، من وزن كبير الأساقفة دزموند توتو، جَهرتْ بتأييدها للمقاطعة وسيلةً نضاليّةً مدنيّةً لإنهاء الظلم وإحقاق العدالة.
غير أنّ بعضهم في لبنان ما زال مصرّاً على تصوير خطاب المقاطعة كأنه خطابٌ تهديديّ وقرْوسطيّ. فمَن «هدّد» فرقةَ «بلاسيبو» في لبنان يا د. منى فيّاض (ملحق النهار، 21/ 6/ 2010)؟ هل هدّد أحدٌ ألفيس كوستللو كي يمتنع (مشكوراً) عن إحياء حفلته في الكيان الغاصب، ثم نسي أو تناسى أن يهدِّد زوجتَه ديانا كرال التي لم تمتنعْ إلى هذه اللحظة عن إلغاء حفلتها هناك (ونرجو منها أن تفعل)؟!
وأين «الديماغوجيّة» و«الشعبويّة» يا أستاذ حازم صاغيّة (موقع «لبنان الآن»، 14/ 6/ 2010) بعدما وثّقنا توثيقاً جيّداً دعمَ جاد المليح لإسرائيل («الأخبار»، 2/7/2009) بعيداً عن صورته العسكريّة الشهيرة التي قد تكون «مركّبة»؟ ألم يشتركْ في حملة تضامن مع والد الجنديّ الإسرائيليّ الأسير جلعاد شاليط في مناسبة مرور 850 يوماً على أسره، وأغفل الحديثَ عن آلاف المعتقلين العرب في السجون الإسرائيليّة؟ ألم يدعُ فنّاني العالم إلى زيارة إسرائيل، بما يعنيه ذلك من تحدٍّ لنداء المقاطعة العالميّ، ومن ضخٍّ لملايين الشيكلات في الاقتصاد الإسرائيليّ؟ ألم يقلْ لجيل سيتروك في 14/ 3 /2008 إنّ إسرائيل التي خبِرها شعبُنا دمويّةً أبارتهايديّةً، «مجتمعٌ صحّيّ جداً، ومتوازنٌ، وحيّ»؟
الطريف حقاً أنّ الآية انقلبت اليوم في بعض الخطاب الثقافيّ العربيّ. ففيما ناشطو المقاطعة أمثالنا، من القومجيين والخشبيين والديماغوجيين والتوتاليتاريين و«فرسان مكافحة التطبيع» (والتسمية هي لحازم صاغيّة الذي يمكن وصفُه بأنّه «كبيرُ فرسان مكافحة مكافحة التطبيع»)، يوثّقون دعاويهم جيّداً، نجد ما يسمّى «أنصارَ الحريّة والبحث العلميّ» أشبهَ ما يكونون بمثقفي الأنظمة العربيّة: يرمون بالتهم جزافاً، ويطْردون المختلفين عنهم من ملكوت مسلّماتهم ويقينيّاتهم. وحين يريدون أن يوهموا الناسَ بعلميّتهم في مقاومة المقاطعة، لا يتجاوزون قراءةَ الصفحتين الأولييْن من ويكيبيديا عن «البويْكوتاج»، رغم أنّ الإنترنت يعجّ بمئات الدراسات المعمّقة عن المقاطعة الأكاديميّة والثقافيّة، وخصوصاً تلك التي يكتبها المثقفون الفلسطينيون أنفسُهم من أجل مخاطبة العالم.
تريدون مكافحة مقاطعة إسرائيل يا سادة؟ إذاً، قبل أن تقذفوا بآرائكم خبطَ عشواء، اقرأوا تجاربَ المقاطعة الناجحة في الهند، وجنوب أفريقيا، والولايات المتحدة (الحقوق المدنيّة). ثم اقرأوا روّادَ فكر مقاطعة إسرائيل اليوم: عمر البرغوثي (فلسطين)، وروني كاسريلز (جنوب أفريقيا)، وكول كيليبردا (كندا)،

كيف نتجاهل تجارب المقاومة المدنيّة في الهند، وجنوب أفريقيا، والولايات المتحدة؟

وسوزان بلاكول، وديريك سمرفيلد، وهيلاري روز وبتي هنتر (بريطانيا)، وسوندرا هيل (الولايات المتحدة)... بل اقرأوا الباحثيْن الجامعيّيْن الإسرائيليّيْن، الداعييْن إلى مقاطعة إسرائيل، إيلان بابيه ونيف غوردون. وكلُّ هؤلاء تقريباً نُقلتْ مقالاتُهم إلى العربيّة، وهي منشورة إلى اليوم على موقع مجلة «الآداب».
لربّما ظنّ أعداءُ المقاطعة أنّ «التهديد» كامنٌ في نيّة بعض أنصار المقاطعة رفعَ دعوى على منظّمي هذه الحفلات في لبنان استناداً إلى قانون المقاطعة لعام 1955 (المادّة الأولى) وقانون العقوبات (المادة 285) إذا لم يستجب المنظّمون اللبنانيون شكواهم. مهما يكن الأمر، فإنه من غير المفهوم لماذا قرّر بعضُ «أنصار الحريّة» المستجدّين أن يستخفّوا بأفضلِ ما في القانون اللبنانيّ (أيْ مقاطعة إسرائيل)، فيما حرصوا على وجوب «تحكيم القانون في ألسنةٍ أفلتتْ من عقالها» (الحياة، 9/2/2008) ــــ والمقصود، تحديداً، لساني الذي سبق قبل أعوام أن «أفلت من عقاله» في «قدح وذمّ» أحد أصدقاء كبير فرسان مكافحة مكافحة التطبيع، ألا وهو كبيرُ مستشاري رئيس العراق فخري كريم.
لأدعياء حريّة التعبير والانفتاح أن يكتبوا ما شاؤوا. ولأنصار العدالة أن يسلكوا طريقَ مقاطعة الأبارتهايد الصهيونيّ التي باتت منذ بضعة أعوام سالكةً على كلّ الخطوط.

* رئيس تحرير مجلة «الآداب»


«أعظم D.J»

ولد الهولندي تييستو (اسمه الحقيقي تييِس فيرفست) عام 1969 ويُعد حالياً من أبرز الـ D.J والمنتجين على الساحة الإلكترونية الموسيقية. في عام 1997، أسّس شركة «بلاك هول» للإنتاج الموسيقي حيث بدأ يصعد نجمه كـ«أعظم دي دجاي على الكوكب».
وعن الشركة، أصدر ألبومات عدّة أوّلها «في ذاكرتي» (2001) و Just be (2004) و«عناصر الحياة» (2007)