سناء الخوري
يمكن الملكة ماري أنطوانيت أن تصير حصاناً. مغنّي الأوبرا بوسعه أن يغنّي بحنجرته و... بركبتيه أيضاً. طاولة الشاي قد تصير تنيناً، أو ثعباناً، أو حتّى حوض أزهار. تخال نفسك كما «أليس في بلاد العجائب» وأنت تشاهد عرض Le Cirque invisible «السيرك الخفي»، الذي يزور لبنان للمرّة الأولى، بدعوة من «مهرجانات بيت الدين». ابتداءً من 28 حزيران (يونيو) الحالي، سيكتشف الجمهور هذا السيرك الذي يقف على حدة بين فنون الفرجة. طوال ساعتين ونصف ساعة، سيتولّى الاستعراض كلّه رجل وامرأة ومعهما «سبع بطّات وستة أرانب وأربع حمامات».
«السيرك الخفي» ثمرة حبّ جان باتيست تييري (1937) وفيكتوريا شابلن (1951). الزوج مهرّج بشعر أبيض منكوش، والزوجة ساحرة تصنع أزياءها بواسطة مظلّات ودراجات هوائيّة وصحون. الأوّل ماوي سابق، مثّل في السينما بإدارة آلان رينيه وفيدريكو فيلليني، وعلى الخشبة مع بيتر بروك، قبل أن يصير الأب المؤسس لـ «السيرك الجديد» عام 1971. أما الثانية، فابنة تشارلي شابلن. كانت في الثامنة عشرة تستعدّ لبطولة شريط سينمائي كتبه والدها، حين قلبَت حياتها رسالة من تييري. في إحدى المجلات، رأى الصعلوك الثلاثيني صورة المراهقة ذات العينين الفاتنتين. قرّر أن يراسلها، وخصوصاً حين قرأ أنّها تحلم بأن تصير مهرّجة. ولمفاجأته الكبيرة، ردّت وريثة إمارة شابلن على رسالته البوهيميّة. ومنذ ذلك الحين، لم يفترقا. أسّسا معاً «سيرك بونجور»،

ابنة شارلي شابلن، ومهرّج هارب من أفلام فيلليني

ثمّ «السيرك الخيالي»، ومنذ عام 1990 «السيرك الخفي». في كلّ واحدة من هذه التجارب الثلاث، لم يخلقا إلّا عرضاً يتيماً. هكذا يكون رصيد الثنائي تييري ـــــ شابلن، على مدى أربعة عقود، ثلاثة عروض فقط... إلى جانب ابنهما جايمس وابنتهما أوريليا، اللذين التقطا لوثة الخشبة بطبيعة الحال.
سرّ عطائهما القليل قد يكون هوساً مفرطاً بالكمال. يمكن أن نتخيّل جهد شابلن وحرفيّتها العالية لدى تصميم زيّ قد يتحوّل في لحظة من ثوب إلى ديكور كامل. في أحد المشاهد يرتدي تييري جبّة مطران قرمزيّة، ويختفي رأسه فجأةً ليظهر مكانه رأس بطّة! تهريج الرجل قد يبدو بسيطاً إلى حدّ السذاجة. لكنّها، في الحقيقة، بساطة وضعت المداميك الأساسيّة لما يعرف بالسيرك المعاصر، وطوّره لاحقاً «سيرك الشمس». مدرسة تييري بقيت مغمورة بسبب علاقة صانعيها الفاترة مع الإعلام. لكنّ الفضل يعود إليها في إخراج ألعاب الخفّة من منطق الإبهار، إلى صناعة الحكايات والمواقف. مقاربة حرّرت السيرك من الحلبة، وسمحت للمؤدي بأن يهزأ من نفسه قبل كلّ شيء.


بين 28 حزيران (يونيو) الحالي و1 تموز (يوليو) المقبل، «بيت الدين» (الشوف/ لبنان). للاستعلام: 01/373430
www.beiteddine.org