خرج من السجن بديوانه «احتفاليات المومياء المتوحشة»
«مدينة الموت الجميل» إلى طرة. قال لأحد جنود الحراسة: «أنا صحافي وعضو اتحاد كتاب وأريد أن أزور معتقلاً اسمه محمد عفيفي مطر». غاب الجندي قليلاً وعاد ليصطحب الكفراوي إلى حجرة المأمور. كان جالساً وخلفه «صورة السيد الرئيس مبتهجاً وفارداً ذراعيه ناظراً إلى المستقبل بثقة المؤمنين». تأمل المأمور بطاقة اتحاد الكتاب وظنّ أنّ القاص موفد رسمي من هناك. ضغط الجرس وأمر أحد الجنود أن يحضر «الجدع اللي اسمه عفيفي». وجاء عفيفي مطر. «كان يتلفع برداء ريفي ويطوف على وجهه ذلك الحزن»، يقول الكفراوي. لم ينطق الصديقان بأي كلمة. تأمل الكفراوي ذلك «الجرح الممتد من الجبهة حتى أسفل الأنف، كان جرحاً شريراً وخائناً». لم تكن هناك تهمة محددة بحق عفيفي مطر، إذ لفّقت له تهمة مضحكة مفادها أنّه يسعى إلى إنشاء تنظيم لحزب «البعث» في مصر! وكان الشاعر قد أقام سبع سنوات في بلاد الرافدين حيث عمل محرّراً في مجلة «الأقلام».
نقل الكفراوي ما رآه خارج أسوار المعتقل، فقامت الدنيا ولم تقعد. اتصل الصحافي محمد حسنين هيكل بإحدى القيادات في الدولة يسأل: «لماذا اعتقلتم عفيفي مطر؟». مجلة «الناقد» البيروتية أعدّت بدورها عدداً خاصاً عن الشاعر، وانهالت المقالات في صحف المعارضة تشيد به، وتنفي عنه اتهامات الحكومة. خرج مطر من هذه التجربة مهشماً. عندما زاره الناقد الراحل غالي شكري والشاعر عبد المعطي حجازي بعد الإفراج عنه، صرخ حجازي: «هذا إجرام وعار على أمة أن تعذّب شعراءها». خرج الراحل من تلك التجربة بديوانه الشهير «احتفاليات المومياء المتوحشة» (1992)، الذي تضمّن وقائع التعذيب البشع: «أقسى من الموتِ ارتعاشُ الموتِ في الشلوِ الذبيح».
محمد...