القطيف ــ مريم عبد اللهما إن تدخل المعرض الشخصي الأول لزهراء المتروك (1982) الذي تحتضنه صالة «مركز الخدمة الاجتماعية» في مدينة القطيف السعودية، حتى تستقبلك لافتة تبيّن أنه وإن كان معرضاً فنياً لفتاة عشرينية، فإنّه لا يزال أمراً غريباً أو خارجاً عن المألوف في مستنقع التقاليد الذي نعيشه، إذ خُصّصت الأيام الثماني الأولى من معرض «جدتي مريم» للذكور واليومان الأخيران للنساء، مع إلغاء نظام العوائل الذي يسمح باختلاط ما
أول ما يصادفك لحظة دخول المعرض هو تابوت تسكنه لوحة الجدة مريم وما بقي من أدواتها، كالحصير وأوان نحاسية توزعت على الأرض بين اللوحات. بدلاً من تعليقها على الجدار، ارتأت زهراء توزيع لوحات معرضها العشر على أرضية الصالة بعدما وضعتها في توابيت. ووسط مهرجان الألوان التي انفلشت على لوحات صوّرت نساء في مختلف الوضعيات، وقفت زهراء بجلابية خضراء من التراث، تشعّ عيناها وهي تتقمّص حكايات العائلة.
«جسّدت لوحاتي نساءً حقيقيات عشن مع جدتي. أبرزت هوية كل امرأة في ذلك البيت من تلك التي تتمتع بقوة شخصيّة وتمرّد ما إلى المرأة الانقيادية والضعيفة، وهي السمة الغالبة على نساء مجتمعنا!»، ثم سرعان ما تنتقل هذه التشكيلية السعودية إلى الحاضر: «لقد طردوني من حفلة افتتاح معرضي الأول، ولم تشفع لي مشاركاتي الدولية والمحلية والجوائز التي حصدتها، بحجّة أنّه ممنوع على نساء أن يحضرن بين الرجال! قالوا لي: الحريم برا. بل إنّ المسؤول عن صالة العرض هدّدني باستدعاء المباحث وقال إنّها

طُردت الفنانة من افتتاح معرضها... لأنّها امرأة
أوامر من فوق، وطلبوا مني تكليف رجل ليشرح أعمالي!». تقول زهراء والخيبة ترتسم على وجهها وهي تنتقل بين التوابيت. ثم تسرد حكايات قديمة: «في هذه اللوحة، امرأة تستحم على حافة عين ماء بين مزارع القطيف تميّزها خلفية سوداء حين كانت النسوة يخرجن إلى العين مع الفجر قبل استيقاظ الرجال. وهنا امرأة تجدّل شعرها، وهناك تمضي بكامل زينتها إلى الموت الذي صوّرتُه على هيئة سرير حيث لا يمثّل نهاية، بل حياة جديدة، وليس هناك فاصل بينهما»، تقول زهراء.
منذ عام 1997، شاركت زهراء في عدد من المعارض التشكيلية، من بينها معارض «الأيام الثقافية السعودية» التي أقيمت في كل من الجزائر وتركيا وروسيا عام 2007، كما شاركت في السنة نفسها في «معرض صالون الشباب» في الدوحة. وهي هنا استخدمت الاكريليك مع بعض اللطخات الذهبية والزخارف والألوان الترابية في إشارة إلى ماضي الجدة ومزجتها بألوان عصرية كالأحمر في إشارة إلى الأحفاد.
تقول: «لقد حاولوا إفشال معرضي الأول. وتذرّعوا بتزامنه مع المونديال، فأقفلوه أغلب أوقات الدوام. تقصّدت وضع أولئك النسوة في توابيت. لن أعلّق لوحاتي على جدران إلا خارج القطيف، أو فلتبقَ صورةً صادمةً تبيّن وضع النساء في مجتمعي، وكيف عوملتُ فقط لأنني امرأة».