سريعاً، أُبطلت القنابل الموقوتة التي زُرعت يوم الجمعة، فور وصول صور التمثيل بجثة محمد سليم مسلِّم إلى المصريين
محمد عبد الرحمن
شبح الحرب مع الجزائر تراجع سريعاً هذه المرة. مع وصول صور التمثيل بجثة الشاب المصري محمد سليم مسلّم إلى الصحف المصرية ومنها إلى «فايسبوك» ــــ قاعدة انطلاق الحملات الإعلامية هذه الأيام ــــ حذّر بعضهم من إمكان استغلال الجريمة البشعة لتدشين حرب جديدة بين مصر ولبنان على غرار واقعة أم درمان التي أدت إلى قطيعة بين مصر والجزائر.
انشغال الشارع المصري بالاعتصامات والإضرابات والقضايا السياسية العالقة مثل انتخابات مجلسي الشعب والشورى ومن بعدها الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها العام المقبل... كل هذا جعل أي جريمة أو مباراة كروية أو حادثاً طارئاً وسيلة فعّالة لجذب انتباه المصريين عن عمق الصورة التي يعيشونها كما يقول المشككون دائماً في تعاطي الدوائر السياسية مع هذه الأحداث. لكن يبدو أن قوة العلاقة السياسية بين مصر ولبنان وسرعة ردود الفعل المنددة من الجانبين بجريمة كترمايا، أبطلتا سريعاً مفعول القنابل الموقوتة التي زُرعت يوم الجمعة الماضي فور وصول الخبر إلى المصريين. ولعل أكثر القنابل خطراً كانت نشر جريدة «اليوم السابع» الإلكترونية معلومات منقولة عن شهود عيان مصريين، أحدهم مقيم في القاهرة وأجرى حواراً عبر التشات مع شاب لبناني مقيم في بلدة كترمايا. وحسب «اليوم السابع»، فقد قال اللبناني لصديقه المصري إنّ الشرطة اللبنانية تعاطفت مع الغاضبين لأول مرة، وتركت لهم الضحية كي يفعلوا بها ما شاؤوا. كما أشار إلى أنّ الانتقادات الموجهة إلى النظام المصري في ما يخص التعامل مع الفلسطينيين المحاصرين في غزة تلعب دوراً كبيراً في زرع الكراهية تجاه المصريين ومعاملتهم كما يُتعامَل مع الإسرائيليين. وهو الكلام نفسه الذي استُخدم خلال «حرب» أم درمان من بعض الجزائريين المتعصبين. لكن الأصوات العاقلة في لبنان كانت أعلى كثيراً من الأصوات الجزائرية. لم يُتناول هذا الطرح المعيب في أي وسائل إعلامية أخرى، كما نشرت «اليوم

نقلت «اليوم السابع» عن صحيفة إسرائيلية أنّ «حزب الله» يقف وراء الجريمة!

السابع» نقلاً عن صحيفة إسرائيلية أن الجريمة قد تكون رداً من «حزب الله» على الأحكام القضائية الصادرة ضد رجاله في القاهرة، قبل أن يدرك المصريون سريعاً أن القرية سنية وتدين بالولاء لسعد الحريري الذي يتمتع بعلاقة طيبة للغاية مع النظام المصري. ويبدو أن برامج الـ«توك شو» وعت هي الأخرى الدرس جيداً. هكذا، تناولت الحادث المؤسف من زوايا موضوعية، وخصوصاً مع ردود الأفعال الإيجابية الآتية من بيروت وأهمها بيان الرئيس اللبناني ضد الحادث، لتخرج صحف الصباح المصرية وقد اهتمت بالمتابعة الإخبارية فقط. حتى أن صحيفتي «المصري اليوم» و«الشروق» كتبتا عن الواقعة في الصفحة الثالثة لا الأولى، وانصب الاهتمام على حال أسرة القتيل في القاهرة، وعلاقته بوالدته التي تركته 38 عاماً وعادت قبل شهور إلى القاهرة وأقنعته بالسفر معها للعمل في لبنان من دون أن تعرف أنه سيعود إلى بلده جثةً مشوهةً. فيما شذت «الدستور» عن القاعدة وأعادت نشر صورة جثة الضحية في الصفحة الأولى مع تقرير عن أهمية معاقبة الجناة وتحريم الإسلام التمثيل بالجثث. وركزت مقالات الرأي على تحليل الجريمة التي أكدت أنّ الشعوب العربية كلّها تقترب من حافة الانفجار وأن الهمجيّة انتصرت على العقلانية والتسامح بسبب غياب الثقة في قوة القانون. وهو أمر مرشح للحدوث في أي مكان في العالم العربي.