اليوم العالمي لحرية الصحافة» الذي حلّ أمس، حوّله الجزائريون إلى «يوم غضب» وشهد عدداً من التظاهرات والإضرابات والوقفات المندّدة بحال المشهد الإعلامي في بلد المليون شهيد
سعيد خطيبي
تزامناً مع احتفال العالم أمس بـ«اليوم العالمي لحرية الصحافة»، شهدت الجزائر حالة توتر وتصادم بين الأوساط الصحافية والدوائر الرسمية... وخصوصاً في ظلّ مواصلة هذه الأخيرة فرض هيمنتها على قطاع الإعلام، ورفضها فتح قطاع السمعي ـــــ البصري. وبذلك، تصبح الجزائر الدولة المغاربية الوحيدة التي تنتهج منطق الاحتكار، بعدما قررت موريتانيا أخيراً افتتاح قنوات فضائية مستقلة.
إذاً، حلّ أمس الثالث من أيار (مايو) الذي أطلق عليه أحد الصحافيين الجزائريين اسم «يوم الغضب» نظراً إلى عدد الحركات الاحتجاجية التي انطلقت بقيادة إعلاميين جزائريين.
وكان الكاتب والإعلامي عبد الرزاق بوكبة قد افتتح بالفعل يوم الغضب، أول من أمس، بعدما أعلن إضراباً مفتوحاً عن الطعام، أمام «دار الصحافة الطاهر جاووت» (وسط العاصمة)، احتجاجاً على صرفه تعسفياً من «التلفزيون الجزائري». مع العلم أن بوكبة، الذي شارك أخيراً في تظاهرة «بيروت 39»، قضى خمس سنوات كاملة في إعداد أهم البرامج الثقافية وتقديمها على الشاشة الجزائرية، مثل «كلام القصيد»، و«وجهة نظر»، و«أماسي»، و«فصول».
في حديث لـ«الأخبار»، ذكر بوكبة أنّه لجأ إلى مختلف الوسائل لتسوية وضعه، لكن من دون جدوى. وأضاف أنّه فضّل الشروع في الإضراب، مع توجيه رسالة إلى رئيس الجمهورية، باعتباره القاضي الأول للبلاد. وجاء في البيان الذي أرسله الصحافي الجزائري إلى عبد العزيز بوتفليقة: «رغبتي الملحة في أن أساهم في رسم ملامح الصورة الجديدة للجزائر الجديدة، التي ساعدتني على الصمود (...) فانخرطت بكل جوارحي في النضال الثقافي الرامي إلى نفض الغبار عن الثقافة الوطنية بكل وجوهها واتجاهاتها وجهاتها، حيث كانت الانطلاقة بـ«اتحاد الكتّاب الجزائريين» عام 2002، ثم «المكتبة الوطنية الجزائرية»، فـ«الإذاعة الوطنية»، فـ«التلفزيون الجزائري» الذي كان التحاقي به نهاية عام 2005».
ولم تقتصر مسيرة بوكبة على الإعلام، بل رافقها إصدار عدد من الكتب أولّها «من دسّ خفّ سيبويه في الرّمل» (2004) ثم «أجنحة لمزاج الذئب الأبيض» (2008) وأخيراً رواية «جلدة الظل» (2009). إضافة إلى عدد من الجوائز الوطنية والعربية التي نالها المعني قبل أن يجد نفسه اليوم عاطلاً من العمل، وممنوعاً من دخول «التلفزيون الجزائري».
ويضيف بوكبة في البيان الموجّه إلى رئيس الجمهورية: «تعوّد بعض القائمين على مؤسساتنا على عرقلة كفاءاتنا الوطنية لدفعها إلى الهجرة، مستغلين استعداد القنوات الأجنبية لاستقبالها، حتى باتت الجزائر تصدّر مثقفيها عوض أن تصدّر ثقافتها». وختم عبد الرزاق بوكبة البيان بالتأكيد على خيار البقاء في الجزائر متخذاً للإضراب شعار «نموت وما نهاجرش». وأشار إلى نيته عدم السير على خطى صحافيين واجهوا المصير نفسه، فقرروا الهروب إلى خارج الوطن.
وتأتي خطوة الكاتب والإعلامي عبد الرزاق بوكبة امتداداً لحالة «السخط» السائدة في الأوساط الصحافية، في الجزائر، إزاء عدم مبالاة الدوائر الرسمية. وقد باتت هذه الأخيرة توظّف الوسائط الإعلامية لتحقيق أهداف سياسية.

لامبالاة رسمية إزاء حالة «السخط» التي تعمّ الأوساط الصحافية

وشهدت الجزائر أمس مسيرة شعبية أمام مقر التلفزيون، بقيادة مجموعة «بزاف»، المؤلفة من صحافيين جزائريين. وهدف المسيرة كان المطالبة بفتح قطاع السمعي البصري في القريب العاجل. وجاء في بيان مجموعة «بزاف» الذي جرى تداوله خلال اليومين الأخيرين: «من المؤسف، بمناسبة «اليوم العالمي لحرية الصحافة»، ملاحظة تراجع هامش حريات التعبير، في الجزائر إجمالاً، وحرية الإعلام خصوصاً. وقد صارت الرقابة تفرض حضورها (...) وصار التلفزيون ناطقاً باسم السلطة الحاكمة وحدها، ولا يمثّل الشرائح الاجتماعية».
وليس بعيداً عن «التلفزيون الجزائري»، وقف أمس صحافيو إذاعة «البهجة» (أهم محطة إذاعية في الجزائر) محتجين أيضاً. والسبب يعود إلى رفض الإدارة توظيفهم بعد أكثر من سبع سنوات من الخدمة. مع العلم أن الصحافيين (عددهم خمسة) سبق أن قاموا بمبادرات مماثلة، ولكن الإدارة رفضت الاستماع إليهم ودرس مشكلتهم.
في ظل هذه الحركات الاحتجاجية المختلفة التي تُعبِّر، بوضوح، عن تقهقر الحريات في الجزائر، يُنتظر أن تواصل السلطة، ممثلةً بشخص كاتب الدولة المكلّف بالإعلام، خطابها السنوي المعروف، والمتعلق بتطور الصحافة على مستوى الأرقام... مع تجاهل مطلق لواقع الممارسة الإعلامية وإشكالاتها.


أعداء الصحافة