باية قاسمي وعبد القادر جغلولالجزائر ــــ سعيد خطيبي
شهدت الجزائر نهاية أسبوع حزينة عقب رحيل اثنين من أهم الكتّاب والصّحافيين، هما باية قاسمي وعبد القادر جغلول، اللذين اشتركا في معايشة عشرية التسعينيات، ومحنة انهيار اليوتوبيا، وتحمّل التغييرات المفاجئة، ثم تتقاطع أقدارهما أخيراً ويشتركان في رحيل واحد.
عاش الكاتب والباحث السوسيولوجي عبد القادر جغلول (64 سنة) واعياً قضاياه ومتابعاً جيداً لتطورات الراهن. يشتغل، يقرأ، يدرّس، يكتب ويؤلف في صمت، وغوص في تشريح الحالة الجزائرية بمختلف جزئياتها.
برز اسمه في جزائر الثمانينيات، مع زاوية «تراث» في جريدة Algérie-Actualités، حيث اشتغل في إعادة رسم فسيفساء الثقافة الجزائرية، بمختلف أطيافها، عبر مجموعة مقالات، تمسّ خصوصاً فترة نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. لاحقاً، أعاد جمع هذه المقالات ونشرها في كتاب «عناصر من تاريخ الجزائر الثقافي» (1984)، حيث تطرّق إلى عدد من القضايا والوجوه الثقافية من تاريخ الجزائر. ودحض في مقال «ضبابية التقليد الثقافي» فرضية أن يكون مولود فرعون وطاوس عمروش مؤسّسي الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية. وأضاف أنّ نص «مسلمون ونصارى»، المنشور على حلقات، في جريدة «الحق» (1912)، والموقّع باسم أحمد بوري، يمثّل أول رواية في تاريخ الجزائر الأدبي.
هي شذرات من تاريخ الجزائر الثقافي بعثها عبد القادر جغلول، في كتاب ضمّ أيضاً قراءات في سير وأعمال كثير من الأسماء المعروفة، على غرار محمد العيد، شكري خوجة، علالو أب المسرح الجزائري، رشيد قسنطيني، مصطفى بن براهيم، علي الحمامي، العربي بن مهيدي وغيرهم. وكان جغلول قد أسهم مع الكاتب والمفكر مصطفى الأشرف، في كتاب «تاريخ، ثقافة ومجتمع» (1986) حيث عرض مقاربة في «تاريخ ومجتمع المغرب الأوسط، بين القرنين السّابع والخامس عشر»، ويعود إلى أهم الحقب التاريخية التي عرفتها المنطقة، مع الدولة الفاطمية، والدولة الحمادية، ودولة المرابطين والدولة الموحدية.
باية قاسمي اشتهرت بكتاب «اعترافات زوجة إرهابي»
أبانت أعمال جغلول عن سعة اطلاع وتمسك بمطلب تشريح تاريخ الجزائر الثقافي. وقد ترك أعمالاً أخرى منها «ثلاث دراسات عن ابن خلدون» (1984)، و«ثماني دراسات عن الجزائر» (1986)، و«رسائل إلى الجزائر» (2001) موجّهة إلى مجموعة من المثقفين الجزائريين، و«من حمدان خوجة إلى كاتب ياسين» (2004)، و«رسائل جديدة إلى الجزائر» (2004) وأخيراً «الطاهر جاووت، مقاطع من مسيرة صحافية» (2004)، وترجمت أهم كتبه إلى العربية وصدرت عن «دار الحداثة» (بيروت ــــ لبنان).
بعد ثلاثة أيام على رحيل جغلول، اهتزت الساحة الإعلامية، في الجزائر، على نبأ رحيل الكاتبة والصحافية باية قاسمي (58 سنة) التي اشتهرت بكتاب «اعترافات زوجة إرهابي» (2000) حيث تحكي سيرة نادية أرملة أحد أمراء الجماعة الإسلامية المسلحة، في جزائر التسعينيات.
بدأت باية قاسمي عملها الصحافي، منتصف الثمانينيات، في Algérie-Actualité، وهي الجريدة التي جمعت بين أركانها نخبة المثقفين الجزائريين، على غرار الطاهر جاووت، ومالك علولة، وأنور بن مالك... قبل أن تنتقل إلى جريدة L’Observateur ثم La Nation، ثم أسست، مع صحافيين آخرين جريدة La Tribune.
وفي مطلع الألفية الجديدة، أسّست جريدة L’époque السّاخرة التي لم يُكتب لها أن تستمر، وهي أول جريدة، في تاريخ الصّحافة الجزائرية المستقلة، تجمع بين مختلف اللغات، العربية، الفرنسية والأمازيغية.
والمعروف أن باية قاسمي عاشت حياة نضالية مميّزة. انخرطت في «حركة الصحافيين الجزائريين» التي برزت قبل أحداث أكتوبر 1988، إضافة إلى عضويتها الفعالة في «دار الحريات» التي أسسها الفقيد أمحمد يزيد. هذه المسيرة المفعمة بروح المقاومة، في مسار الدفاع عن الحريات في الجزائر، أسهمت في منحها «جائزة الخبر الدولية عمر أورتيلان» عام 2006.